قوله:{فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة: ٣٥] .. قال عثمان: يا أبا ذر؛ إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، ولولا صحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلتك، فقال: كذبتَ يا عثمان؛ ويلك، أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك"، أما عقلى فقد بقى منه ما أذكرنى حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فيك وفى قومك، قال: وما سمعتَ من رسول الله فىّ وفى قومى؟ قال: سمعته يقول - وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا بلغ آل أبى العاص ثلاثون رجلاً صيَّروا مال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً، وعباد الله خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً". قال عثمان: يا معشر أصحاب محمد؛ هل سمع أحد منكم هذا الحديث من رسول الله؟ قالوا: لا ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عثمان: ادعوا علياً.. فجاء أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن؛ اسمع ما يقول الشيخ الكذَّاب، فقال أمير المؤمنين: يا عثمان؛ لا تقل كذاباً، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما أظلَّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر". قال أصحاب رسول الله. صدق علىّ، سمعنا هذا من رسول الله، فعند ذلك بكى أبو ذر، وقال: ويلكم، كلكم قد مدَّ عنقه إلى هذا المال، ظننتم أنى أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظر إليهم فقال: مَن خيركم؟ فقالوا: أنت تقول إنك خيرنا، قال: نعم.. خلفت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره، وأنتم قد أحدثتم أحداثاً كثيرة، والله سائلكم عن ذلك ولا يسألنى، فقال عثمان: يا أبا ذر؛ أسألك بحق رسول الله ألا ما أخبرتنى عما أنا سائلك عنه؟ فقال أبو ذر: واللهِ لو لم تسألنى بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبرتك، فقال: أى البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فقال: مكة
حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتينى الموت، فقال: لا، ولا كرامة لك. قال: المدينة حرم رسول الله، فقال: لا، ولا كرامة لك، قال: فسكت أبو ذر. فقال: وأى البلاد أبغض إليك أن تكون بها؟ قال: الرِبْذة التى كنتُ بها على غير دين الإسلام، فقال عثمان: سر إليها، فقال أبو ذر: قد سألتنى فصدقتك، وأنا أسألك فاصدقنى، قال: نعم، قال: أخبرنى، لو أنك بعثتنى فيمن بعثت من أصحابك إلى المشركين فأسرونى وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك؟.. قال: كنت أفديك، قال: فإن قالوا: لا نفديه إلا بكل ما تملك، قال: كنت أفديك، فقال أبو ذر: الله أكبر.. قال لى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً:"يا أبا ذر؛ كيف أنت إذا قيل لك أى البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فتقول: مكة حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتينى الموت، فيقال: لا، ولا كرامة لك، فتقول: المدينة حرم رسول الله، فيقال: لا، ولا كرامة لك، ثم يقال لك: فأى البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟ فتقول: الرِبْذة التى كنت بها على غير دين الإسلام، فيقال لك: سر إليها"، فقلت: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال:"والذى نفسى بيده إنه لكائن"، فقلت: يا رسول الله؛ أفلا أضع سيفى على