يعطينا هذا التفسير لونا آخر من ألوان التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية، وذلك لأن كل ما تقدم لنا من كتبهم فى التفسير يكاد يكون متفقاً على لون واحد، وهو نقل ما جاء فى التفسير عن الأئمة وآل البيت، وما كان من تفاوت بينها فهو لا يعدو أن يكون تفاوتاً بمقدار ما بين مؤلفيها من اعتدال فى التشيع أو غلو فيه، وبمقدار ما بينهم من تفاوت فى القدرة على تأييد مذهبهم وتدعيم أُصوله بالأدلة والبراهين.
أما هذا الكتاب الذى نحن بصدده فقد سلك مؤلفه فيه مسلكاً غير هذا المسلك، مما جعل له لوناً مخالفاً للون تلك الكتب السابقة، ذلك أن المؤلف وإن كان يعتقد كغيره من علماء مذهبه أن علم القرآن كله عند الأئمة، إلا أنه لم يعتمد فى تفسيره على هذه الناحية كل الاعتماد، بل تراه يمزج بها التفسير الصوفى الذى يقوم على الرموز والإشارات، كما يخلط بالتفسير كثيراً من البحوث الفلسفية الدقيقة. والذى يقرأ هذا الكتاب ويتتبع ما فيه من الشطحات الصوفية العميقة فى إدراكها، الغريبة فى لفظها وأسلوبها، لا يسعه إلا أن يحكم على الكتاب بأنه مغلق فى إدراك معانيه، عسير فى فهم مراده ومراميه. وأنا إذ أحكم على الكتاب هذا الحكم لا أكون مغالياً ولا متجنياً فيما حكمت، فكثيراً ما قرأت فيه العبارة المرة بعد المرة، ولا أخرج منها إلا بالمعنى القاصر المبتور، بعد أن يرتد إلىَّ البصر خاسئاً وهو حسير، ويرجع الذهن عاجزاً عن الفهم وهو كليل.. وربما أكون واهماً فى هذا الحكم، لقصور معرفتى باصطلاحات القوم، وعدم وقوفى على أُصول مذهبهم ومرامى رموزهم التى يرمزون بها.. ولو تيسر لى ذلك لجاز أن يكون لى حكم على هذا التفسير مغاير لهذا الحكم، ورأى فيه مخالف لهذا الرأى..
والذى نلحظه فى هذا التفسير بعد ذلك: أنه يدافع عن أُصول مذهبه ويطيل فى دفاعه، مع تعصب كبير، وتطرف بالغ إلى درجة الغلو والعناد. أما فروع المذهب ومسائله الاجتهادية الفقهية، فيمر عليها مراً سريعاً بدون تفصيل للأدلة وبيان لوجهة النظر، كما نلاحظ فيه أنه لا يقتصر على النقل من تفاسير الشيعة بل ينقل من تفاسيرها أهل السُّنَّة أيضاً كالبيضاوى وغيره، وكثيراً ما ينقل بعض العبارات الفارسية لبعض العلماء كشاهد على ما يقول.
وبالجملة.. فالكتاب يكاد فى جملته أن يكون تفسيراً جارياً على النمط الذى يجرى عليه الصوفية فى تفاسيرهم، ويظهر أن مؤلفه كان يقصد هذا اللون الصوفى فى تفسيره أولاً، وبالذات، يدلنا على ذلك هذه العبارة التى نقتطفها من مقدمة تفسيره وهى قوله: ".. وقد كنت نشيطاً منذ أوان اكتسابى للعلوم وعنفوان شبابى بمطالعة