يقرر أن من يريد حملها على الظاهر فلا بد وأن يتحَّير فيها، وليس يمكن له أن يصل إلى حقيقتها، والمقصود منها بمجرد قوته البَشرية: فعندما تكلم على قصة آدم فى أول البقرة وجدناه يقول: "ولما كان قصة آدم وخلقته، وأمر الملائكة بسجدته، وإباء إبليس عن السجود، وهبوطه من الجنَّة، وبكائه فى فراق الجنَّة وفراق حواء، وخلقته حواء من ضلع الجنب الأيسر، وغرروة بقول الشيطان وحواء، وكثرة نسله، وحمل حواء فى كل بطن ذكراً وأُنثى، وتزويج كل بطن لذكر البطن الآخر من مرموزات الأوائل، وقد كثر ذكره فى كتب السَلَف خصوصاً كتب اليهود وتواريخهم، وردت أخبارنا مختلفة فى هذا الباب اختلافاً كثيراً، مرموزاً بها إلى ما رمزوه، ومَن أراد أن يحملها على ظاهرها تحيَّر فيها، ومَن رام أن يدرك المقصود بقوته البَشرية والمدارك الشيطانية منها طُرِد عنها، ولم يدرك منها إلا خلاف مدلولها".
وبعد أن يقرر المؤلف هذا نراه يكشف لنا عن تلك الأُمور المرموز إليها فى القصة، لا بقوته البشرية، فإنها عاجزة عن إدراكها كما يقول، بل بقوته الروحية التى تستلهم المعارف من الله، وذلك حيث يقول فى أثناء تفسيره للقصة نفسها: "اعلم أن قصة خلق آدم من الطين، وحواء من ضلعه الأيسر. وأمر الملائكة بالسجود لآدم، وإباء إبليس عن السجدة، وإسكان آدم وحواء الجنة، ونهيهما عن أكل شجرة من أشجارها، ووسوسة إبليس لهما، وأكلهما من الشجرة المنهية، وهبوطهما، من المرموزات المذكورة فى كتب الأُمم السالفة وتواريخهم كما ذكرنا سابقاً، فالمراد بآدم فى العالَم الصغير: اللطيفة العاقلة الآدمية، الخليفة على الملائكة الأرضيين، وعلى الجِنَّة والشياطين المطرودين عن وجه أرض النفس والطبع، المسجودة للملائكة، المخلوقة من الطين، الساكنة فى جنَّة النفس الإنسانية، وهى أعلا من مقام النفس الحيوانية، المخلوق من ضلع جنبها الأيسر الذى يلى النفس الحيوانية زوجتها المسماة بحواء، لكدورة لونها بقربها من النفس الحيوانية. والمراد بالشجرة المنهية: مرتبة النفس الإنسانية التى هى جامعة لمقام الحيوانية والمرتبة الآدمية. والمراد بالحيَّة واختفاء إبليس بين لحييها: القوة الواهمة، فإنها لكونها مظهراً لإبليس، تسمى بإبليس فى العالَم الصغير، ووسوسته: تزيينها ما لا حقيقة له للجنب الأيسر من آدم المغبَّر عنه بحواء. وهبوط آدم وحواء عبارة عن تنزيلهما إلى مقام الحيوانية. وهبوط الحيَّة وذُرِّيتهما: عبارة عن تنزلهما عن مقام التبعية لآدم، فإن إبليس لما كان الواهمة أحد مظاهره كان رفعتها رفعته، وشرافتها باستخدام آدم لها شرافته، وهبوط الواهمة كان هبوطاً له، وإذا أريد بالشجرة: النفس الإنسانية ارتفع الاختلاف من الأخبار، فإن النفس الإنسانية شجرة لها أنواع الثمار