والحبوب، وأصناف الأوصاف والخصال، لأن الحبوب والثمار وإن لم تكن بوجود ذاتها العينية الدانية الموجودة فيها لكن الكل بحقائقها موجودة فيها، فتعيين تلك الشجرة بشئ من الحبوب والثمار، والعلوم والأصناف بيان لبعض شئونها.
روى فى تفسير الإمام: أنها شجرة علم محمد وآل محمد الذين آثرهم الله تعالى دون سائر خلقه، فقال الله تعالى:{وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة}[البقرة: ٣٥] شجرة العلم، فإنها لمحمد وآله دون غيرهم، ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم. ومنها ما كان يتناوله النبى صلى الله عليه وسلم، وعلىّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، بعد إطعامهم المسكين، واليتيم، والأسير، حتى لم يحسوا بجوع، ولا عطش ولا تعب ولا نَصّب، وهى شجرة تميزت من بين سائر الأشجار بأن كلا منها إنما يحمل نوعاً من الثمار، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البُرّ، والعِنَب، والتِّين، والعُنَّاب، وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون.. فقال بعضهم: بُرَّة، وقال آخرون: هى الشجرة التى مَن تناول منها بإذن الله أُلْهِمَ عِلْم الأوَّلين والآخرين من غير تعلم، ومن تناول بغير إذن الله خاب مراده وعصى ربه".
أقول: "آخر الحديث يدل على ما قالته الصوفية من أن السالك ما لم يتم سلوكه، ولم ينته إلى مقام الفناء، ولم يرجع إلى الصحو بعد المحو بإذن الله، لم يجز له الاشتغال بالكثرات ومقتضيات النفس زائداً على قدر الضرورة. وشجرة علم محمد وآل محمد إشارة إلى مقام النفس الجامع لكمالات الكثرة والواحدة".
وفى سورة البقرة أيضاً عندما تكلَّم عن قصة هاروت وماروت يقول: "اعلم أن أكثر قصص سليمان كان من مرموزات الأوائل، وأخذها المتأخرون بطريق الأسمار، وأخذوا منها ظاهرها الذى لا يليق بشأن الأنبياء، وورد عن المعصومين تقرير ما أخذوه أسماراً نظراً إلى ما رمزها الأقدمون، وأمثال هذه ورد عنهم تكذيبها نظراً إلى ظاهر ما أخذها العوام، وتصديقها نظراً إلى ما رمزوا إليه".
وفى أول سورة النساء عند قوله:{ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} ... الآية: يقول: "لما كان تلك الحكاية وأمثالها من مرموزات الأوائل من الأنبياء والأولياء والحكماء التابعين لهم، وحملها العوام من الناس على ظاهرها، اختلفت الأخبار فى تصديقها وتقريرها وتكذيبها وتوهينها، فإن فى كيفية خلقه آدم وتناسلهما وتناكحهما وتناكح أولادهما، وكذا فى قصة هاروت وماروت. وقصة داود، وغير ذلك، اختلافاً كثيراً فى الأخبار، واضطراباً شديداً، بحيث يورث التحير والاضطرابات لمن لا خبرة له، حتى يكاد يخرج من الدين، ولكن الراسخين فى العلم