وكيفية تأثيره فى المسحور وذلك حيث يقول:"والسحر اسم لقول أو فعل أو نقش فى صفحة يؤثر فى عالَم الطبع تأثيراً خارجاً عن الأسباب والمعتاد، وذلك التأثير يكون سبب مزج القُوَى الروحانية مع القُوَى الطبيعية، أو بتسخير القُوَى الروحانية بحيث تتصرف على إرادة المسخِّر الساحر، وهذا أمر واقع فى الأمر ليس محض تخييل كما قيل.. وتحقيقه أن يقال: إن عالَم الطبع واقع بين الملكوت السفلى والملكوت العلوى كما مَرّ، وأن لأهل العالمين تصرفاً بإذن الله فى عالَم الطبع بأنفسهم، أو بأسباب من قِبَل النفوس البَشرية، وأن النفوس البَشرية إذا تجردت من علائقها، وصفت من كدروتها بالرياضات الشرعية أو غير الشرعية، وناسبت المجردات العلوية أو السفلية، تؤثر بالأسباب أو بغير الأسباب فى أهل العالمين بتسخيرها إياهم، وجذبها لهم إلى عالمها، وتوجيههم فى مراداتها شرعية كانت أو غير شرعية، وإذا كان التأثير كان من أهل العالَم السفلى تسمى أسبابه سحراً، وقد يسمى ذلك التأثير والأثر الحاصل به سحراً، وإذا كان من أهل العالَم العلوى يسمى ذلك التأثير والأثر الحاصل به معجزة وكرامة، وقد تتقوى فى الجهة السفلية أو العلوية فتؤثر بنفسها من دون حاجة إلى التأثير فى الأرواح، ويُسمى ذلك التأثير والأثر أيضاً سحراً ومعجزة. فالسحر هو السبب المؤثر فى الأرواح الخبيثة الذى خفى سببيته، أو تأثير تلك الأرواح وآثارها فى عالَم الطبع بحيث خفى مدركها، ثم أُطلق على كل علم وبيان دقيق قلَّما يُدرك مدركه، ويُطلق على العالم بذلك العلم اسم الساحر، ومنه:{ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ}[الزخرف: ٤٩] على وجه.. فيُستعمل على هذا فى المدح، والذم".
وفى الآية [٤] من سورة الفلق نجده يعترف أيضاً بالسحر ويُروى أن الرسول سُحِرَ بيد لُبيد بن الأعاصم وذلك حيث يقول: {وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد} .. أى من شر النفوس اللاتى يعقدن على الشعور والخيوط، وينفثن فيها، ويسحرون الناس بها. أو النساء اللاتى يفعلن ذلك.. ثم ساق حديث سِحْر الرسول صلى الله عليه وسلم".
وهناك مسائل أُخرى يوافق فيها المعتزلة، ومسائل أُخرى يخالفهم فيها ويوافق أهل السُّنَّة، ولا أطيل بذكرها بعد أن ذكرت نموذجاً من كل طائفة، ومَن أراد الرجوع إليها فليرجع إلى تفسيره للآيات التى تتعلق بهذه المسائل.
هذا.. ولا يفوتنا أن ننبه على أن المؤلف كثيراً ما يهتم فى بعض المواضع بالمسائل النحوية، فنراه يذكر الأعاريب التى فى الآية، كما يهتم فى بعض النواحى بالقراءات، وإن كان يعتمد فى كثير من الأحيان ما نُسِب إلى أهل البيت من قراءات لاأصل لها، كما نراه يذكر بعض النكات التى ترجع إلى نظم القرآن وأسلوبه.
وبالجملة.. فهذا التفسير يكشف لنا عن مقدار تعصب صاحبه لمذهبه، وتأثره بعقيدته الشيعية، ونزعته الصوفية الفلسفية فى فهمه لكتاب الله تعالى.
.. والكتاب مطبوع فى جزءين كبيرين. وموجود بدار الكتب المصرية.