ومنها قوله تعالى فى الآية [٥٥] من سورة النور: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولائك هُمُ الفاسقون} .
ومنها قوله تعالى فى الآيات [١٠٢-١٠٥] من سورة المؤمنون: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولائك هُمُ المفلحون * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولائك الذين خسروا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} .. قالوا: فنص سبحانه على أن مَن تخف موازينه يكون مكذِّباً، والفاسق تخف موازينه فكان مكذِّباً، وكل مكذِّب كافر.
ومنها قوله تعالى فلا الآية [٢] من سورة التغابن: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} . قالوا: وهذا يقتضى أن مَن لا يكون مؤمناً فهو كافر، والفاسق ليس بمؤمن، فوجب أن يكون كافراً.
هذه بعض الآيات التى تمسَّك بها الخوارج فى موقفهم من مرتكب الكبيرة الذى لم يتب، والتى حسبوا أنها حجج دامغة لمذهب مخالفيهم من المسلمين. ولا يسع الذى يعرف سياق هذه الآيات وسباقها، ويعرف الآيات والأحاديث الواردة فى شأن عصاة المؤمنين، ويتأمل قليلاً فى هذه التخريجات والاستنتاجات التى يقولون بها، لا يسعه بعد هذا كله: إلا أن يحكم بأن القوم متعصبون، ومندفعون بدافع العقيدة، وسلطان المذهب.
وهناك نصوص من القرآن استغلها أفراد من الخوراج، لتدعيم مبادئهم التى يشذون بها عمن عداهم من بعض فِرَق الخوارج، وهى فى مظهرها التفسيرى أكثر تعصباً، وأبلغ تعنتاً، فمن ذلك: أن نافع بن الأزرق كان لا يرى جواز التقية التى هى فى الأصل من مبادئ الشيعة، ويستدل على حُرْمتها بقوله تعالى فى الآية [٧٧] من سورة النساء: {.. إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله} ..
ويرى نجدة بن عامر جواز التقية، ويستدل على ذلك بقوله تعالى فى الآية [٢٨] من سورة غافر: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} .
وأظهر من هذا: أن نجدة بن عامر كان لا يُصَوِّب نافع بن الأزرق فيما يقول به من إكفار القَعَدة، واستحلال قتل أطفال مخالفيه، وعدم رد الأمانات إلى مخالفيه، وغير ذلك من آرائه التى شذَّ بها، فأرسل نجدة إلى نافع رسالة يقول له فيها: ".. وأكفرتَ الذين عذرهم الله تعالى فى كتابه من قعدة المسلمين وضعفتهم. قال الله عَزَّ وجَلَّ - وقوله الحق ووعده الصدق: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى