للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنا الملك والسوقة، ومنا الحاسد والمحسود.. وما خلق الله أشق ولا أشد من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته العارفين به من طريق الوهب الإلهى الذى منحهم أسراره فى خلقه، وفهَّمهم معنى كتابه وإشارات خطابه، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السلام. لما كان الأمر فى الوجود الواقع على ما سبق به العلم القديم - كما ذكرنا - عدل أصحابنا إلى الإشارات. فكلامهم - رضى الله عنهم - فى شرح كتابه العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إشارات، وإن كان ذلك حقيقة وتفسيراً لمعانيه النافعة، ورد ذلك كله إلى نفسهم مع تقريرهم إياه فى العموم، وفيما نزل فيه، كما يعلمه أهل اللِّسان الذين نزل الكتاب بلسانهم، فعمَّ به سبحانه عندهم الوجهين كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} .. يعنى الآيات المنزَّلة فى الآفاق وفى أنفسهم، فكل آية منزَّلة لها وجهان: وجه يرونه فى نفوسهم ووجه آخر يرونه فيما خرج عنهم، فيسمون ما يرونه فى نفوسهم إشارة ليأنس الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك، ولا يقولون فى ذلك إنه تفسير، وقاية لشرهم وتشنيعهم فى ذلك بالكفر عليه، وذلك لجهلهم بمواقع خطاب الحق، واقتدوا فى ذلك بسنن الهدى، فإن الله كان قادراً على تنصيص ما تأوَّله أهل الله فى كتابه، ومع ذلك فما فعل: بل أدرج فى تلك الكلمات الإلهية التى نزلت بلسان العامة علوم معانى الاختصاص التى فهمها عباده حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذى رزقهم.

ولو كان علماء الرسوم ينصفون، لاعتبروا فى نفوسهم إذا نظروا فى الآية بالعين الظاهرة التى يسلمونها فيما بينهم، فيرون أنهم يتفاضلون فى ذلك، ويعلو بعضهم على بعض فى الكلام فى معنى تلك الآية، ويقر القاصر بفضل غير القاصر فيها، وكلهم فى مجرى واحد. ومع هذا الفضل المشهود لهم فيما بينهم فى ذلك. ينكرون على أهل الله إذا جاءوا بشىء مما يغمض عن إدراكهم، وذلك لأنهم يعتقدون فيهم أنهم ليسوا بعلماء، وأن العلم لا يحصل إلا بالتعلم المعتاد فى العُرف، وصدقوا، فإن أصحابنا ما حصل لهم ذلك العلم إلا بالتعلم وهو الإعلام الرحمانى الربَّانى قال تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم * الذى عَلَّمَ بالقلم * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١-٥] ، فإنه القائل: {أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} [النحل: ٧٨] ، وقال تعالى: {خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان} [الرحمن: ٣-٤] .. فهو سبحانه مُعلِّم الإنسان، فلا شك أن أهل الله هم ورثة الرسل عليهم السلام، والله يقول فى حق الرسول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣] ، وقال فى حق عيسى: {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} [آل عمران: ٤٨] ، وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>