من ربها، لا يراه من خلَقه شئ" وهذا التفسير عن مجاهد كان فيما بعد متكئاً قوياً للمعتزلة فيما ذهبوا إليه فى مسألة رؤية الله تعالى.
ولعل مثل هذا المسلك من مجاهد، هو الذى جعل بعض المتورعين الذين كانوا يتحرجون من القول فى القرآن برأيهم يتقون تفسيره، ويلومونه على قوله فى القرآن بمثل هذه الحرية الواسعة فى الرأى، فقد روى عن ابن مجاهد أنه قال: قال رجل لأبى: أنت الذى تفسِّر القرآن برأيك؟ فبكى أبى ثم قال: إنى إذن لجرئ، لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم.
ومهما يكن من شئ، فمجاهد رضى الله عنه إمام فى التفسير غير مدافع، وليس فى إعطائه لنفسه مثل هذه الحرية ما يغض من قيمته. أو يقلل من مكانته.
* * *
٣- عِكرمة
*ترجمته:
هو أبو عبد الله عِكرمة البربرى المدنى مولى ابن عباس (أصله من البربر بالمغرب) روى عن مولاه، وعلىّ بن أبى طالب، وأبى هريرة، وغيرهم.
* *
* اختلاف العلماء فى توثيقه:
وقد اختلف العلماء فى توثيقه، فكان منهم مَن لا يثق به ولا يروى له، وكان منهم من يُوثَقِّه ويروى له.
* *
*مطاعن مَن لا يُوَثِّقونه:
وإنَّا لنجد العلماء الذين لم يثقوا بعكرمة، يصفونه بالجرأة على العلم ويقولون: إنه كان يَدَّعى معرفة كل شئ من القرآن، ويزيدون على ذلك فيتهمونه بالكذب على مولاه ابن عباس، وبعده هذا كله، يتهمونه بأنه كان يرى رأى الخوارج، ويزعم أن مولاه كان كذلك، وقد نقل ابن حجر فى "تهذيب التهذيب" كل هذه التهم ونسبها لقائليها، فمن ذلك: ما رواه شعبة عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل ابن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألنى عن القرآن، وسل مَن يزعم أنه لا يخفى عليه منه شئ - يعنى عِكرمة. وحكى إبراهيم بن ميسرة أن طاووساً قال: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشُدَّت إليه المطايا، وروى أبو خلف الجزار عن يحيى البكَّاء قال: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق الله.. ويحك يا نافع، ولا تكذب علىّ كما كذب