للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِكرمة على ابن عباس. ورُوى أن سعيد بن المسيب قال مثل ذلك لمولاه، وروى ابن سعد: أن علىّ بن عبد الله كان يُوِثْقُه على باب الكنيف ويقول: إن هذا يكذب على أبى.

ثم بعد ذلك كله يُصوِّرون للناس مبلغ كراهة معاصريه له فيقولون: إنه مات هو وكثير عزة فى يوم واحد، فلم يشهد جنازته أحد، أما كثير فقد شيَّعه خلق كثير..

* *

* تفنيد هذه المطاعن ودفاع عِكرمة عن نفسه:

هذا الذى تقدَّم هو بعض الروايات التى رواها مَن لا يثق بعدالة عِكرمة، وكلها تهم باطلة لا تقوم على أساس، فعِكرمة مولى ابن عباس، كان يلازمه ويخالطه، فلا يضيره كثرة الرواية عنه لأن هذا أمر طبيعى، ولا يمكن أن يُعَد افتراءً على العلم وافتياتاً على الرواية، لأن كثرة الرواية ليست من المطاعن التى تُوجَّه إلى الراوى وتُذْهِب بعدالته، فهذا أبو هريرة قال الناس عنه فى عصره، أكثرَ أبو هريرة، فبيَّن لهم سبب إكثاره من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يلازم النبى على ملء بطنه، ولا شئ يشغله كما شغل غيره من الصحابة بالصفق فى الأسواق، فهل ذهبت عدالة أبى هريرة وفقدنا الثقة به لكثرة روايته؟ اللَّهم لا.

ثم إن هذا الاتهام لم يخف على عِكرمة، بل كان يبلغه عن متهميه فيود لو أنه ووُجِهَ به ليُفَنِّده، فقد روى حَماد بن زيد عن أيوب أنه قال: قال عِكرمة: رأيت هؤلاء الذين يكذبوننى، يكذبوننى من خلفى، أفلا يُكذبوننى فى وجهى؟ فإذا كذبَّونى فى وجهى فقد والله كَذَّبونى.. ثم نراه يستشهد ببعض أصحابه على صدقه فيما يروى عن مولاه، فعن عثمان بن حكيم قال: كنت جالساً مع أبى أُمامة سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة، أُذكِّركَ الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدَّثكم عكرمة عنى فصدِّقوه فإنه لم يكذب علىَّ؟ فقال أبو أمامة: نعم.

هذا هو رد عِكرمة على متهميه بالكذب وتفنيده لما نُسب إليه من الافتراء على مولاه.

وأما ما رواه ابن سعد: من أن علىّ بن عبد الله بن عباس كان يُوْثِقه على باب الكنيف ويقول: إن هذا يكذب على أبى، فإنه مردود بما رواه ابن حجر فى تهذيب التهذيب: من أن ابن عباس مات وعِكرمة على الرق، فباعه ولده علىّ بن عبد الله بن عباس، من خالد بن يزيد بن معاوية، بأربعة آلاف دينار، فأتى عِكرمة مولاه علياً فقال له: ما خير لك، بعتَ علم أبيك بأربعة آلاف؟ فاستقاله فأقاله فأعتقه".

ثم نجد بعد هذا أن ما روى عن ابن عمر لا يصح، لأنه من رواية يحيى البكَّاء، ويحيى البكَّاء متروك الحديث، ومن المحال أن يُجرَّح العَدْل بكلام المجروح.

<<  <  ج: ص:  >  >>