* رأيه فى أصحاب الكبائر: فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٢٧٥] من سورة البقرة فى شأن المرابين: {وَمَنْ عَادَ فأولائك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .. نجده يخالف أهل السُّنَّة، ويؤكد أن صاحب الكبيرة التى فى درجه أكل الربا وقتل العمد إذا مات ولم يتب منها يخلد فى النار، ولا يخرج منها أبداً فيقول:"أى: ومَن عاد إلى ما كان يأكل من الربا المحرَّم بعد تحريمه، فأُولئك البُعداء عن الاتعاظ بموعظة ربهم، الذى لا ينهاهم إلا عما يضرهم فى أفرادهم أو جمعهم، هم أهل النار الذين يلازمونها كما يلازم الصاحب صاحبه، فيكونون فيها خالدين.
"وقد أوَّل الخلود المفسِّرون، لتتفق الآية مع المقرر فى العقائد والفقه من كون المعاصى لا توجب الخلود فى النار، فقال أكثرهم: إن المراد: ومَن عاد إلى تحليل الربا واستباحته اعتقاداً، ورده بعضهم بأن الكلام فى أكل الربا، وما ذُكِر عنهم من جعله كالبيع هو بيان لرأيهم قبل التحريم، فهو ليس بمعنى استباحة المحرَّم، فإذا كان الوعيد قاصراً على الاعتقاد بحلِّه لا يكون هناك وعيد على أكله بالفعل.
"والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلمون والفقهاء. يجب إرجاع كل قول فى الدين إليه، ولا يجوز تأويل شىء ليوافق كلام الناس، وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود فى آية قتل العمد، وليس هناك شبهة فى اللَّفظ على إرادة الاستحلال. ومن العجيب أن يجعل الرازى الآية هنا حُجَّة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة فى النار، انتصاراً لأصحابه الأشاعرة، وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم الخلود بطول المكث، أما عنه فنقول: ما كل ما يسمى إيماناً يعصم صاحبه من الخلود فى النار، الإيمان إيمانان: إيمان لا يعدو التسليم الإجمالى بالدين الذى نشأ فيه المرء أو نُسِبَ إليه، ومجاراة أهله ولو بعدم معارضتهم فيما هم عليه. وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين بالإيمان، متمكنة فى العقل بالبرهان، مؤثرة فى النفس بمقتضى الإذعان، حاكمة على الإرادة المصرفة للجوارح فى الأعمال، بحيث يكون صاحبها خاضعاً لسلطانها فى كل حال، إلا ما لا يخلو عنه الإسنان من غلبه جهالة أو نسيان. وليس الربا من المعاصى التى تُنسى، أو تغلب النفس عليها خفة الجهالة والطيش كالحدة وثورة الشهوة، أو يقع صاحبها منها فى غمرة النسيان كالغيبة والنظرة، فهذا هو الإيمان الذى يعصم صاحبه بإذن الله من الخلود فى سخط الله، ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على كبائر الإثم والفواحش عمداً، إيثاراً لحب المال واللَّذة، عن دين الله وما فيه من الحكم والمصالح. وأما الإيمان الأول: فهو صورى فقط، فلا قيمة له