جعله نجاراً، ومنهم مَن جعله راعى غنم، ومنهم مَن قال إنه نبى، ومنهم مَن قال إنه حكيم. وكل هذه أقوال ليس لها سند يعول عليه، وبعد أن وصفه الله بالحكمة فلا يرفع من شأنه أنه كان من أشرف الأُمم، ولا يضع من قدره أنه كان زنجياً مملوكاً".
* *
* عنايته بإظهار أسرار التشريع:
كذلك نجد الأستاذ الأكبر يهتم فى تفسيره اهتماماً كبيراً بإظهار سر التشريع الإسلامى، وحكمة التكليف الإلهى، ليُظهر محاسن الإسلام، ويكشف عن هدايته للناس.
فمثلاً عندما تعرَّض لآيات الصوم فى سورة البقرة، نجده يفيض فى سر الصوم وحكمته فيقول: "الصيام أحد الأركان الخمسة التى بُنِى عليها الإسلام، وهو رياضة بدنية، وتهذيب خُلُقى، وتطهير روحى، وذلك أن الاسترسال فى الشهوات، والانغماس فى اللَّذات حجاب بين الروح وبين الكمالات القدسية والفيض الإلهى، يعوقها عن تلقى الإلهام وعن لذَّة الاتصال، ولذلك يلجأ أرباب المقامات والعارفون إلى الصوم، كلما أحسوا بُعْداً عن الذات الإلهية، وانزعج خاطرهم شوقاً إلى القرب منها.
"وفى الصبر على الحرمان من اللَّذات التى تنازع إليها النفس، وتقتضيها الطبيعة، تربية للإرادة، وتقوية على المضى فى العزم، وعدم نقض العقد والعهد إذا وسوس الشيطان وزيَّن للنفس الخروج عن العهود، لما فيها من المشقات، وفى تقوية الإرادة على هذا النحو إعداد لتلقى التكاليف الإلهية بالقبول والطمأنينة، وتثبيت لمَلَكة المراقبة والخوف من الله، وتقوية لخُلُق الحياة، وفى هذا كل الخير، وبه تتحقق تقوى الله، وتستعد النفس للسخاء، والبذل والتضحية، إذ دعا الداعى، وحان وقت الفصل بين شجعان الرجال وجبنائهم، وبين كرامهم وأنذالهم.
"وليس يخفى أن كل شىء فى هذه الحياة ممكن. الفقر بعد الغنى، والمرض بعد الصحة، والذلة بعد العز، والنزوح عن الأوطان بعد الطمأنينة فيها، وتغلب الأعداء بعد الغلب عليهم وقهرهم ... وما إلى ذلك ما هو بسبيل أن يعرض للإنسان. وعروض هذه الأشياء على نفس مدللة، وجسم مترف، ينام بقدر، ويأكل بقدر، ويمرح فى اللَّذات بين الأهل والعشيرة، قد يصدمه صدمة لا يقوى على احتمالها، أو يسوق إليه الجزع ويورثه اليأس.
لذلك كله اقتضت حكمة الحكيم العليم، أن يجعل من العبادات ما يروض