وضوء الشِّعْرَى اليمانية يصل إلينا بعد ثمان سنوات، وضوء الشمس يصل إلينا بعد ثمان دقائق، فانظر إلى هذا البُعْد السحيق.
"وليست الشِّعْرَى اليمانية أكبر نجم فى السماء، فهناك بعض النجوم قدرتها تزيد على قدرة الشِّعْرَى أكثر من عشرة آلاف مرة.
"وعظمة السماء ليست فى الشمس وتوابعها، كلا ... إن عظمتها فى مدنها النجومية، فى أقدارها، وأوزانها، وأضوائها، وأبعادها، على اختلاف أنواعها.
"وهناك نجم يسمى "الميرة" أكبر من شمسنا بما يزيد عن ثلاثين مليوناً من المرات، وهناك السدائم، وهى قريبة من الخلق أول الأمر، ثم يقف علم الإنسان، والله تعالى وحده يعلم خلقه:{مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} . [الكهف: ٥١] .
{وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ}[لقمان: ١] : أى خلق الجبال فى الأرض لئلا تميد الأرض وتضطرب، ولبيان هذا يمكن أن نقول باختصار: إن الأرض بعد انفصالها عن الشمس، وعكوفها على الدوران حولها على بُعْدٍ منها، وصلت بعض موادها إلى حالة السيولة بعد أن كانت مواد ملتهبة كالشمس، وتكوَّنت عليها قشرة صلبة بعد تتابع انخفاض الحرارة أحاطت بما فى جوفها من المواد المنصهرة، ثم تتابعت البرودة على القشرة فتجعدت، وحدث من التجعد نتوءات وأغوار، فالجبال الأولى نتوء القشرة الصلبة التى غلَّفت الأرض، وهناك جبال جدَّت عن اشتداد الضغط فى الرواسب التى فى قاع البحر، وجبال نارية جدَّت من خروج الحمم النارية من وسط الأرض وتداخلها فى الطبقات. حتى صارت كأوتاد مغروزة فيها.
"والجبال كلها تتحمل الضغوط الرسوبية على جدرانها، وتوزعها، وتغير اتجاهها، وتكسر حدتها، وتساعد بذلك على بقاء الطبقة المفككة الصالحة للإنبات، والتى يتغذى بواسطتها الحيوان والإنسان، وتحفظها من أن تمور.
"فالجبال أولاً حبست النار فى جوف الأرض، وصيَّرت الأرض بعد ذلك صالحة للحياة، والجبال توزع ضغوط الطبقات، ثم بعد ذلك تكسر حدة العواصف والرياح، فهى حافظة للأرض من الميدان الذى يجىء بأسباب من داخل الأرض، والذى يجىء بسبب العواصف والرياح" ... وهكذا مشى الشيخ إلى آخر الآية.
* *
* حرية الرأى فى تفسيره:
ثم إن الشيخ المراغى - رحمه الله - كان كغيره من رجال هذه المدرسة لا يتقيد بأقوال الأئمة، ولا يقف عند مذهب مخصوص، ولا يقول برأى معين إلا إذا اقتنع به، وإلا فلا عليه أن يتركه إلى ما هو صواب فى نظره.