فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [١٨٤] من سورة البقرة: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .. نجده يقول بعد أن يذكر خلاف علماء الفقه فى السفر المبيح للفطر:"وقد روى أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة مسيرة ثلاثة أميال. ورُوى عن ابن أبى شيبة بإسناد صحيح أنه كان يقصر فى الميل الواحد، وإذا نظرنا إلى أن نص القرآن مطلق، وأن كل ما رواه فى التخصيص أخبار أحاد، وأنهم لم يتفقوا فى التخصيص، جاز لنا أن نقول: إن السفر مطلقاً مبيح للفطر، وهذا رأى أبى داود وغيره من الأئمة".
ومثلاً عندما تعرّض لقوله تعالى فى الآية [٢٧] من سورة لقمان: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} ... الآية، نجده بعد أن يبين أن عدد السبعة فى الآية مراد به الكثرة يقول:"وعلى هذا يمكن أن يقال فى أبواب النار، أما الأبواب الثمانية للجنة، فقد أريد بالزيادة فيها على النار أن يدل على أن مسالكها أكثر من مسالك النار، لراحة أهلها، وزيادة العناية بهم.
"وكذلك يقال فى السموات السبع، والأرضين السبع، والعرب تذكر السبعة للكثرة، وتذكر السبعين للكثرة كذلك، ومنه:{استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ}[التوبة: ٨٠] ، ومن المعلوم أن الله لا يغفر لهم فى السبعين، ولا فى السبعة الآلاف، ونظيره:{فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة: ٣٢] يُراد فى سلسلة طويلة هائلة، ولا يُراد التقدير بهذا العدد".
والواقع أن هناك فرقاً بين ما ورد من نحو قوله:{استغفر لَهُمْ} ... إلخ، وقوله:{فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً} ، وبين ما ورد فى عدة أبواب الجنَّة والنار، وعدة السموات والأرض، فإن الأول ذُكِر فى مقام التهويل، فلا يُراد التحديد وإنما يُراد الكثرة، بخلاف الثانى فإنه ليس كذلك.
ومثلاً نجد الأستاذ المراغى فى دروسه الأخيرة عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [٥] من سورة الملك: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} ... الآية، يشرح كون النجوم رجوماً للشياطين بما معناه: "أن ما فى السماء من النجوم دلائل قاطعة على تمام قدرة الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى زيَّن السماء الدنيا بهذه الكواكب، وجعلها على هيئات مخصوصة ونظام مُحكم، لتكون