للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشير ابن القيم (١) - رحمه الله - في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والأشياع غالباً ما يستعمل في الذم، ويقول: ولعله لم يرد في القرآن إلا كذلك، كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} ، وكقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} ، وقوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} . ويعلل ابن القيم لذلك بقوله: "وذلك والله أعلم لما في لفظ الشيعة من الشياع، والإشاعة التي هي ضد الائتلاف والاجتماع، ولهذا لا يطلق لفظ الشيع إلا على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم" (٢) .

هذه ألفاظ الشيعة في كتاب الله ومعانيها، وهي لا تدل على الاتجاه الشيعي المعروف، وهذا أمر يدرك بداهة، ولكن الغريب في الأمر أن نجد عند الشيعة اتجاهاً يحاول ما وسعته المحاولة أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب الله بطائفته، ويؤول كتاب الله على غير تأويله، ويحمل الآيات ما لا تحتمل تحريفاً لكتاب الله وإلحاداً فيه، فقد جاء في أحاديثهم في تفسير قوله سبحانه: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} (٣) . قالوا: أي إن إبراهيم من شيعة علي (٤) ، وهذا مخالف لسياق القرآن، وأصول الإسلام، وهو نابع عن عقيدة غلاة الروافض الذين يفضلون الأئمة على الأنبياء (٥) ، فهذا التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل


(١) محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، توفي سنة ٧٥١هـ، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد
(٢) بدائع الفوائد: ١/١٥٥. وهذا في الغالب لأنه ورد في القرآن: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ}
(٣) الصافات، آية: ٨٣
(٤) البحراني/ تفسير البرهان: ٤/٢٠، وانظر: تفسير القمي: ٢/٣٢٣، المجلسي/ بحار الأنوار: ٦٨/١٢-١٣، عباس القمي/ سفينة البحار: ١/٧٣٢، البحراني/ المعالم الزلفى ص: ٣٠٤، الطريحي/ مجمع البحرين: ٢/٣٥٦، وقد نسبوا هذا التفسير - كذباً وافتراءً - إلى جعفر الصادق، ودينه وعلمه ينفيان ذلك
(٥) انظر: البغدادي/ أصول الدين ص: ٢٩٨، القاضي عياض/ الشفاء ص: ٢٩٠، ابن تيمية/ منهاج السنة: ١/١٧٧

<<  <  ج: ص:  >  >>