للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكتسبون، ولا أطلق القول عليهم بأنهم يخلقون ولا هم خالقون، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكره الله تعالى ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن، وعلى هذا القول إجماع الإمامية والزيدية والبغداديين من المعتزلة وأكثر المرجئة وأصحاب الحديث، وخالف فيه البصريون من المعتزلة وأطلقوا على العباد أنهم خالقون فخرجوا بذلك عن إجماع المسلمين" (١) .

فهو يلتزم - كما يزعم - منهج القرآن؛ لأنه سماهم فاعلين وعاملين ولم يسمهم خالقين، غير أن إجماع طائفته لم يستمر - إن كان قد حصل - إذ إن طائفة من شيوخهم سلكوا مسلك معتزلة البصرة في إطلاق لفظ "الخلق" (٢) . والفرق اللفظي بينهم وبين معتزلة البصرة قد توارى فيما بعد على يد ثلة من أساطين المذهب.

فقد عقد شيخهم الحرّ العاملي (ت١١٠٤هـ‍) صاحب الشيعة في كتابه الذي يتحدث فيه عن أصول أئمته عقد بابًا بعنوان "باب أنّ الله سبحانه


(١) أوائل المقالات: ص٢٥
(٢) وقالوا بأنه قيل لأبي الحسن: هل غير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون، آية: ١٤.... إن في عباده خالقين وغير خالقين، منهم عيسى عليه السلام خلق من الطين كهيئة الطير (الفصول المهمة ص٨١) ، ومثل هذا التوجيه نسب لبعض السلف حيث قال ابن جريج: إنما جمع الخالقين؛ لأن عيسى كان يخلق كما قال: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ} فأخبر الله عن نفسه أنه أحسن الخالقين (تفسير الطبري: ١٢/١١، تفسير البغوي: ٣/٣٠٤) ، ولكن عيسى عليه السلام إنما كان يخلق بإذن الله فلا خالق مع الله، ولذلك فإن أكثر أهل العلم قال: إن الخلق بمعنى التقدير كما يدل على ذلك لغة العرب، وقال مجاهد: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين (تفسير البغوي ٣/٣٠٤) .
قال ابن جرير الطبري - بعد أن ذكر قول ابن جريج وقول مجاهد -: "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد؛ لأن العرب تسمي كل صانع خالقًا" (انظر: تفسير الطبري ١٢/١١) .
والقضية عند هؤلاء الروافض ليست في إطلاق اللفظ الذي له معنى في اللغة غير الإيجاد، ولكن في قولهم بأن العبد هو الذي يخلق فعله، كما أن توجيه إمامهم بأن عيسى يخلق ليس بدليل لهم في قولهم إن كل إنسان يخلق فعله؛ لأن ذلك معجزة لعيسى بأمر الله، وورد به النص {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم} وهم يعممون إطلاق اللفظ

<<  <  ج: ص:  >  >>