للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تبارك وتعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (١) .

ويقول شيعي آخر يدعى ابن أبي عمير: ما استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إياه شيئًا أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام وهو: أن الإمام لا يذنب؛ لأن منافذ الذنوب الحرص والحسد والغضب والشهوة، وهذه الأوجه منتفية عن الإمام (٢) .

ولكن هذا المفهوم - على كل حال - ليس من غلوّ المجلسي في العصمة، ولا يترتب عليه من الآثار ما يترتب على عصمة الشيعة في صياغتها الأخيرة والتي تزيد على ذلك، بجعل كلام الإمام وحيًا يوحى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتنفي عنه العوارض البشرية من السهو والغفلة والنسيان لتخرج به من طور المخلوقين إلى صفات خالق البشر.

كما يلحظ أن الحكم بامتناع الإمام من المعصية ولزوم فعله للطّاعة يعني أنّه مجبور من الله - سبحانه - على ذلك، وهذا يتعارض مع مذهب الاثني عشريّة في القدر، من القول بالحرّيّة والاختيار، وأنّ العبد يخلق فعله، ممّا يدلّ على أنّ مفهوم العصمة هذا سابق لمذهبهم في القدر والذي أخذوه عن المعتزلة في المائة الثّالثة.

ولهذا نجد أنه بعد تأثر الشيعة بالفكر الاعتزالي اصطبغ مفهوم العصمة عندهم ببعض الأفكار الاعتزالية كفكرة اللطف الإلهي، وفكرة الاختيار الإنساني، كما نلاحظ هذا في تعريف المفيد (المتوفى سنة ٤١٣هـ‍) للعصمة حيث قال: "بأنها لطف يفعله الله - تعالى - بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة مع قدرته عليها" (٣) ، فليس معنى العصمة أن يجبر الله الإمام على ترك المعصية بل


(١) آل عمران، آية: ١٠١، والنص عن معاني الأخبار: ص١٣٢، بحار الأنوار: ٢٥/١٩٤-١٩٥
(٢) بحار الأنوار: ٢٥/١٩٢-١٩٣ "باختصار"، وانظر: ابن بابويه/ الخصال: ١/٢١٥، معاني الأخبار: ص١٣٣، أمالي الصدوق: ص٣٧٥-٣٧٦
(٣) المفيد/ النكت الاعتقادية: ص٣٣-٣٤، تصحيح الاعتقاد: ص١٠٦، الجيلاني/ توفيق التطبيق: ص١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>