للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعل به ألطافًا يترك معها المعصية مختارًا. فتلحظ الاستعانة بمصطلحات المعتزلة لتحديد مفهوم العصمة.

ومسألة العصمة لم تقف عند حد نفي المعصية بل تجاوزت ذلك.. ففي القرن الرابع يقرر ابن بابويه (المتوفى سنة ٣٨١هـ‍) عقيدة الشيعة في العصمة في كتابه الاعتقادات الذي يسمى "دين الشيعة الإمامية" فيقول: "اعتقادنا في.. الأئمة.. أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر، واعتقادنا فيهم أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم وأواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل" (١) .

فهو هنا ينفي المعصية، وأيضًا الجهل والنقص، ويثبت الكمال الذي يلازمهم من أول حياتهم إلى آخرها، ويكفر من خالف ذلك.

فهذا طور آخر انتقل إليه مسألة العصمة، ولكنه لم يصرح بنفي السهو عن الأئمة كما فعل المجلسي وشيوخ الشيعة المتأخرون، بل إنّه نصّ في كتابه "من لا يحضره الفقيه" على أنّ نفي السّهو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم هو مذهب الغلاة والمفوّضة، يقول: "إنّ الغلاة والمفوّة - لعنهم الله - ينكرون سهو النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقولون: لو جاز أن يسهو في الصّلاة لجاز أن يسهو في التّبليغ؛ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة.. وليس سهو النبي صلى الله عليه وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل وإنّما أسهاه الله ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتّخذ ربًا معبودًا دونه، وليعلم النّاس بسهوه حكم السّهو، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أوّل درجة في الغلو نفي السّهو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب مفرد في إثبات سهو النّبيّ والرّد على مُنكريه" (٢) .


(١) الاعتقادات: ص١٠٨-١٠٩
(٢) من لا يحضره الفقيه: ١/٢٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>