للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقع الأئمة، وبه تتحقق إمكانية القدوة.

ولهذا فإن أنبياء الله - سبحانه - كانوا كسائر البشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.. ويسعون في نشر الدعوة، ويعانون من أذى قومهم، ومن تكاليف الجهاد، كل ذلك لتتحقق بهم القدوة، وليكونوا لمن بعدهم أسوة.

وأمر آخر يبطل دعوى العصمة ومن كتب الشيعة نفسها؛ ذلك هو الاختلاف والتّناقض حيال بعض المواقف والمسائل، وأعمال المعصومين لا تتناقض ولا تختلف بل يصدق بعضها بعضًا ويشهد بعضها لبعض.. والاختلاف ناقض للعصمة التي هي شرط للإمامة عندهم، وهو ناقض بالتالي لأصل الإمامة نفسها، ولذلك فإن ظاهرة الاختلاف في أعمال الأئمة كانت سببًا مباشرًا لخروج بعض الشيعة من نطاق التشيع حيث رابهم أمر هذا التناقض.

ومن أمثلة ذلك ما يذكره القمي والنوبختي من أنه بعد قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقًا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم - فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم، وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقُتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود من محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل، فشكوا في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام" (١) .

أما الأمثلة على الاختلاف والتّناقض في أقوال الأئمّة فهو باب واسع، وكان هو الآخر من أسباب انصراف بعض الشيعة من التشيع، وقد شهد بذلك شيخ


(١) القمي/ المقالات والفرق: ص٢٥، النوبختي/ فرق الشيعة: ص٢٥-٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>