سياسي لهم مستقل عن دولة الإسلام، وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة، ولما خابت آمالهم، وغلبوا على أمرهم وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى الآمال والأحلام كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم من الإحباط وشيعتهم من اليأس، وأخذوا يبثون الرجاء والأمل في نفوس أصحابهم، ويمنونهم بأن الأمر سيكون في النهاية لهم. ولذلك فإن القول بالمهدية والغيبة ينشط دعاته بعد وفاة كل إمام لمواجهة عوامل اليأس وفقدان الأمل، بالإضافة إلى تحقيق المكاسب المادية.
كما أن التشيع كان مهوى قلوب أصحاب النحل والأهواء والمذاهب المتطرفة؛ لأنهم يجدون من خلاله الجو المناسب لتحقيق أهدافهم، والعودة إلى معتقداتهم.
فانضم إلى ركب التشيع أصناف من أصحاب هذه الاتجاهات الغالية.. وكان هذا «الخليط» يشطح "بالشيعة" نحو معتقداته الموروثة، ولا سيما بعد أن عزلت الشيعة نفسها عن أصول الأمة، وإجماعها.
ولهذا فإن مسألة المهدية والغيبة حسب الاعتقاد الشيعي لها جذورها في بعض الديانات والنحل، مما لا يستبعد معه أن لأتباع تلك الديانات دورًا في تأسيس هذه الفكرة في أذهان الشيعة.
ويميل بعض المستشرقين أنها ذات أصل يهودي، لأن اليهود يعتقدون بأن إيليا رفع إلى السماء وسيعود في آخر الزمان، ولذلك فإن إيليا هو - حسب رأيهم - النموذج الأول لأئمة الشيعة المختفين الغائبين (١) .
وفي نظري أن هذا لا يكفي لإظهار الأثر اليهودي، لأن في الإسلام أن عيسى رفع إلى السماء وسيعود في آخر الزمان، فليست هذه الفكرة التي عرضوها غريبة على الأصول الإسلامية، ولكن لأن المستشرقين ينكرون مسألة المهدية أصلاً قالوا هذا القول. إنما يبرز إيضاح الأثر اليهودي أكثر من أوجه أخرى هي أن نظرية الغيبة ترجع في أصولها إلى ابن سبأ وهو حبر من أحبار اليهود.