للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذ بعضهم يلعن بعضًا، ويبرأ منه ويشهد عليه بالكفر، كما تصور ذلك رواية النعماني التي تقول: "لا يكون الأمر الذي ينتظر حتى يبرأ بعضكم من بعض ويتفل بعضكم في وجوه بعض، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضًا" (١) . وجعلت الرواية هذه الظاهرة الخطيرة خيرًا، لأنها مؤذنة بخروج القائم فقالت: "الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله" (٢) .

فيبدو من خلال هذه النصوص أن محدثي الشيعة عملوا على مواجهة هذه النكسة بوضع هذه الروايات على أهل البيت وجعلوها تشير إلى ما يلحق الشيعة من التمحيص والابتلاء والردة عند وقوع الغيبة وذلك من أجل إغرائهم بالبقاء داخل نطاق التشيع الإمامي.

ورغم هذه الاعترافات والشهادات فإن فكرة الغيبة التي اضطرت الإمامية للقول بها قد أحدثت هزة عنيفة زلزلت كيان التشيع الإمامي وكادت أن تؤدي إلى سقوطه بذهاب أتباعه.. رغم ذلك فإنهم يقولون في رواياتهم: "لو علم الله أنهم يرتابون ما خيب حجته طرفة عين" (٣) . فأي ريبة أشد من شك الجميع إلا القليل، ومن التفرق والتلاعن؟!.

ويلاحظ كثرة التكذيب للغيبة من لدن الشيعة، ولا سيما في مراحل نشأتها، ولعل السبب يعود إلى وضوح كذبها لمن عاصرها وعايش ظروفها، ولذلك فقد نشط مؤسسو هذه الفكرة لسد الثغرات التي تهب عليهم منها رياح الشك، وتسديد الفجوات التي تتضح منها صورة الكذب، فعالجوا مشكلة التكذيب والتلاعن والتفرق بوضع روايات على أهل البيت تنبئ بحدوثها وتبشر بالخير عند وقوعها لأنها مؤذنة بعودة القائم (ولكنها وقعت ولم يخرج القائم) ، حاولوا معالجة ما ترامى إلى أسماع الشيعة من تكذيب أسرة الحسن لهذه الدعوات بوضع روايات


(١) الغيبة للنعماني: ص١٣٧-١٣٨، بحار الأنوار: ٥٢/١١٤-١١٥
(٢) الغيبة للنعماني: ص١٣٨، بحار الأنوار: ص١١٥
(٣) أصول الكافي: ١/٣٣٣، الغيبة للنعماني: ص١٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>