للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله سبحانه حتى أوحى الله إليه {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} (١) . ولم يكن غائبًا في سردابه أو في مخبئه لا يعلم مستقره ومكانه، يرى الناس في ضلالهم وكفرهم ويتوارى عن الأنظار فلا يرونه مع تعاقب الأجيال وكر القرون. على أن عمر المهدي - الآن - قد زاد عن هذه المدة.

وكذلك عيسى عليه السلام قد بلغ رسالة ربه، وأقام الحجة وأدى الأمانة قبل رفعه إلى السماء فلم يكن يضير أتباعه أن يغيب عنهم بخلاف منتظرهم الذي غاب منذ طفولته وترك شيعته يختلفون في وجوده وبابيته، وتعميهم التقية عن معرفة حقيقة مذهبه، ويختلفون ويتنازعون حتى يكفر بعضهم بعضًا ويلعن بعضهم بعضًا.

أما الخضر وإلياس فإن الذي عليه المحققون من أهل العلم أنهما قد ماتا (٢) ، وعلى تقدير حياتها فلا تسلم لهما المقارنة، لأنهما ليسا بمكلفين في هداية هذه الأمة وقيادتها بخلاف إمامهم الذي هو مسؤول - في اعتقادهم - عن المسلمين جميعًا


(١) هود، آية: ٣٦
(٢) انظر: المنتقى ص٢٦، ويرى ابن حزم أن القول بحياة إلياس والخضر.. فكرة مأخوذة عن اليهودية، فاليهود هم الذين قالوا بحياة إلياس وحياة فنحاس بن العازار ابن هارون عليه السلام، وسار في سبيلهما بعض الصوفية فادعى أنه يلقى إلياس في الفلوات (الفصل: ٥/٣٧) ، وكذلك قال الصوفية بحياة الخضر، ولهم حكايات في الاجتماع به والأخذ عنه (انظر: ابن عربي/ الفتوحات المكية: ١/٢٤١، ابن عطاء الله السكندري/ لطائف المنن: ص٥٢-٥٣، وطبقات الشعراني: ١/٩٧، ٢/٥، وانظر: الفصل: ٥/٣٧-٣٨، ابن حجر/ تهذيب التهذيب: ٧/٤٧٧، وقد اعتبر ابن حزم دعاوى الصوفية الأخذ عن الخضر خروجًا عن عقيدة ختم النبوة (انظر: الفصل: ٥/٣٨) .
ودعوى بقاء الخضر إلى اليوم مخالف للدليل، وما عليه أهل التحقيق، انظر في ذلك: منهاج السنة: ١/٢٨، ابن القيم/ المنار المنيف: ص٦٧-٧٦، وانظر عن الخضر: ابن كثير/ البداية والنهاية: ١/٣٢٥-٣٣٧، ابن حجر/ فتح الباري: ٦/٣٠٩-٣١٢ الإصابة: ٢/٢٨٦-٣٣٥. ولابن حجر رسالة في تحقيق أمر الخضر، قال في خاتمتها: والذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته (الزهر النضر في نبأ الخضر، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية: ٢/٢٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>