للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٧ - وأيضًا فالصحَّة إما أن تُفسَّر بموافقة أمر الشارع أو أن تُفسَّر بترتُّب أثر الفعل عليه، فإن فُسِّرت بالأول لم يكن تصحيح هذا الطلاق ممكنًا، وإن فُسِّرت بالثاني وجب أيضًا ألاَّ يكون العقد المحرَّم صحيحًا؛ لأنَّ ترتُّب الثمرة على العقد إنما هو بجعل الشارع العقد كذلك، ومعلوم أنه لم يُعتبَر العقد المحرَّم، ولم يجعله مُثمرًا لمقصوده كما مر (١).

١٨ - وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحَّة مع كونه مُنشِئًا للمفسدة ومشتملاً على الوصف المقتضي لتحريمه وفساده، جمع بين النقيضين، فإنَّ الصحَّة إنما تنشأ عن المصلحة، والعقد المحرَّم لا مصلحة فيه؛ بل هو منشأ لمفسدة خالصة أو راجحة، فكيف تنشأ الصحة من شيء هو منشأ المفسدة (٢).

١٩ - وأيضًا فوصف العقد المحرَّم بالصحة إمَّا أن يُعلَم بنصٍّ من الشارع أو من قياسه أو من توارد عرفه في محال حُكمِه بالصحَّة، أو من إجماع الأمَّة، ولا يمكن إثبات شيءٍ من ذلك في محلِّ النزاع، بل نصوص الشرع تقتضي ردَّه وبطلانه كما تقدم، وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه، وكذلك استقراء موارد عرف الشرع في مجال الحكم بالصحَّة إنما يقتضي البطلان في العقد المحرَّم لا الصحَّة، وكذلك الإجماع؛ فإنَّ الأمَّة لم تجمع قد - ولله الحمد - على صحَّة شيءٍ حرَّمه الله ورسوله، لا في هذه المسألة، ولا في غيرها، فالحكم يستند إلى أيِّ دليل (٣).

٢٠ - ما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

وفي رواية: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» (٤).


(١) تهذيب سُنن أبي داود لابن القيم (٣/ ١٠٠).
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (٣/ ١٦٧) ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (١٧١٨) (٣/ ١٣٤٣).

<<  <   >  >>