للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر إلا بنصٍّ جليّ، أو إجماع متيقَّن، فلما رأينا المصحف يَمسُّه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عزَّ وجل لم يَعنِ المصحف، وإنما عني كتابًا آخر (١).

وأجيب عنه بجوابين:

الجواب الأول: أنَّ الذي في الآية نهي، وإن كان لفظه لفظ الخبر، فمعناه الأمر؛ لأنَّ خبر البارئ تعالى لا يكون بخلاف مُخبِره، ونحن نشاهد من يمسه غير طاهر (٢).

الجواب الثاني: أنه إن حُمل لفظ الآية على حقيقة الخبر فإنَّ الأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله و {الْمُطَهَّرُونَ} الملائكة.

وإن حُمِل على النهي، وإن كان في صورة الخبر، كان عامًا فِينا وهذا أولى؛ لِما رُوِيَ من نهيه - صلى الله عليه وسلم -: «أن لا يمسَّ القرآن إلاَّ طاهر»، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية لأنها مُحتمَلَة (٣).

الوجه الخامس: أنه لو سلم رجوع الضمير إلى القرآن على التعيين لكانت دلالته على المطلوب، وهو منع الجُنب من مسِّه، غير مُسلَّمة؛ لأنَّ المطهَّر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجسٍ دائمًا لحديث: «المؤمن لا ينجس» (٤).

فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجِّس بنجاسة عينية، بل يتعيَّن حمله على من ليس بمشركٍ كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] لهذا الحديث


(١) المحلى (١/ ١٠٩).
(٢) المنتقى للباجي (١/ ٣٤٣).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٤١٦).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب عرق الجُنب، وأن المؤمن لا ينجس (١/ ٧٤، ٨٥).
ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (١/ ٢٨٢).

<<  <   >  >>