وإنما يُخاف على المخلص أن يأتي بسيئةٍ راجحةٍ فيَضعُف إيمانُه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويُخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإنْ سَلِم من الأكبر بقي معه من الأصغر، فيضيف إلى ذلك سيئات تنضَمُّ إلى هذا الشرك فيرجح جانِبُ السيئات، فإن السيئات تُضْعِفُ الإيمان واليقين، فيضعف قولُ «لا إله إلا الله»، فيمتنع الإخلاصُ بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم، أو من يُحسِّنُ صوتَه بآية من القرآن من غير ذوق طعم وحلاوة، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تُنْقِضُ ذلك، بل يقولونها من غير يقين وصدق، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة. وإذا كثرت الذنوب ثَقُلَ على اللسان قولها وقسا القلب عن قولها، وكَرِهَ العملَ الصالح، وثَقُلَ عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يُصَدِّقه عمله. قال الحسن: «ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال؛ فمن قال خيراً وعمل خيراً؛ قُبِلَ منه، ومن قال خيراً وعمِلَ شرَّاً؛ لم يقبل منه». وقال بكر بن عبد الله المزني: «ما سبقهم أبو بكر - رضي الله عنه - بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بشيء وَقَرَ في قلبه». =