الكرمي بإسكان الرآء نسبة إلى (طور كرم) قرية بقرب نابلس، ثم المقدسي نزيل مصر القاهرة، شيخ مشايخ الإسلام، أوحد العلماء المحققين الأعلام، واحد عصره وأوانه، ووحيد دهره وزمانه، صاحب التآليف العديدة، والفوائد الفريدة، والتحريرات المفيدة، خاتمة أعيان العلماء المتأخرين، من سمت بعلومه سماء الفاخر، وطلع به فجر فخر الفاخرين، فهو العلامة بالتحقيق، والفهامة عند أهل التدقيق والتنميق، شرفت به البلاد المقدسة، وصارت دعائم كمالاته على هامة الفضائل مؤسسة، فهو العالم الرباني والهيكل الصمداني، والإمام الثاني، بحلّ المعاني، وترصيف المباني، تسامى قدره رتبة السماكين، ورقي مجده على فرق الفرقدين، كان فردًا من أفراد العالم علمًا وفضلًا واطلاعًا، ويتيمة من خزائن الكون طال في نيل المعارف يدًا وباعًا، بحر تتدفق أمواج قاموسه عن درر الفوائد الجسام، وأفق تتلألأ أنوار شموسه في أفلاك الفرائد بزوائد الرقة والإنسجام، جمع من العلوم أصنافًا، ومن الفهوم أضعافًا، وفاق في الجميع بالاتفاق، وأضاءت بدور فضائله على سائر الآفاق، وانعقد عليه الإجماع من أهل الخلاف والوفاق، فهو الآية الكبرى، والحجة العظمى، والمحجة الواضحة البيضاء، وقد قلت مادحًا لهذا الهمام، بشيء من النظام:
حوى السّبْقَ في كلِّ المعارفِ يا لهُ … إمامٌ همامٌ حازَ كلَّ العوارفِ