وقصيت على الشيخ واقعتي، فقال: بكرة النهار أفسرها لك، ثم إنا نزلنا إلى المدينة على طريق البساتين، فقال: كبر عمامتك -وكنت إذ ذاك أتعمم بعمامة صغيرة- فقلت: يكفي هذا يا سيدي، فقال لي: أنت مطلوب لإمامةِ مسجدِ القصب، والجماعة الذين رأيتهم البارحة محمد بن عدي وأصحابه المدفونون هناك، فتعجبت أيضًا لعدم استعدادي، فبعد مدة صرت إمامًا به باختيار جماعته، فأقمت أنا والشيخ به ثماني عشرة سنة، فرأيت كأني نائم على باب خان السلطان على المسجد الصغير هناك، وإذا بريد السلطان وقفوا علي وقالوا: هذا هو فقلت ما تريدون مني؟ قالوا: هذه أحكام السلطان لتكون نائب الشام، فقلت: أنا من فقراء البلد وضعفائهم لا أعرف سياسة، فزجروني وقالوا: تأدب، فنحن في الكلام وإذا بعجوز معها عرض حال فقالت: خذ عرض حالي فزجرتها وقلت اضربوها. فضربوها فذهبت عني فاستيقظت وقصيت ذلك على الشيخ فقال: سترى ذلك عيانًا، ولما مرضنا نحن والناس في مرضه الذي مات فيه ووصلنا إلى العدم، فرأيت في واقعتي كأنّ رجالًا داخلون إلى جهة بيتنا يحمل كل واحد منهم صينية فيها ياسمين ومبخرة وقمقم، فقلت ما هذا؟ قالوا عرسك على صافية بنت الشيخ أيوب. فقلت: لا أدري أنّ له بنتًا اسمها صافية فقالوا هذه البكر العذراء المخدرة، ثم دخلوا دارنا ووضعوا ما كان معهم وخرجوا وصافحوني كلهم يقولون لي مبارك، فاستيقظت وبكيت لعمي أن هذا موت الشيخ قدس الله سره وكانت ليلة عيد الأضحى، ففي وقت الضحى جاءني زمرة من الإخوان يبكون وقالوا: في هذا اليوم جلس الشيخ بين اثنين وقال: إخواني ليعلم الحاضر منكم الغائب أنّ خليفة الخلفاء بعدي الشيخ أحمد بن سالم، وما ذلك مني وإنما نزلت خلافته من السماء، بحضور رجال الطريق جميعًا والطريق لسان صدق وبعد أيام تعافى الشيخ قليلًا فقال: احملوني إلى جامع منجك على دابة فجاء