مقالتَهم في أنّ الله تعالى لم يخلق أفعالَ العبادِ "عدلًا"، ويُلقِّبون أنفسَهم "أهل العدل"، بناءً منهم على ما سبق، من أنّه تعالى لو خَلَق الأفعالَ، وعاقَب عليها، لكان جائزًا. وما ذكره عن الصحابة والتابعين، مِن أنهم أهل عدلٍ صحيحٌ، لكنّ الشأن في العدل ما هو؟ هل هو قوله بإِثبات الشركاء لله في الخلق؟ أو قولنا بتوحيد الله في ذاته وأفعاله؟ وذلك غير خارجٍ عن العدل، كما بيّنّا وسنبيِّن، إِن شاء اللهُ. فإِن أراد بالعدل الذي أضافه إِليهم الاعتزالَ الذي يَراه هو وأصحابه، فليس ذلك عنهم صحيحًا. كيف، وإِنّه لا خلاف بين الأمّة أنّ الصحابة لم يَترُكوا سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم! حتى إِنّ ابن عمر كان يَضع قدمَه موضعَ قدمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالغة في الاتّياع؛ وكان يَبِيت بالمحَصَّب، مع أنّ النبيّ عليه السلام إِنما نزلَه اتّفاقًا والمحظوظ عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقول:"دعوا التنطُّعَ في الدين؛ وعَدُّوا في المحدَثات؛ وعليكم بالعتيق"؛ يعني ما كان النبيّ عليه السلام وأصحابه عليه. وذلك مأخوذٌ من قوله عليه السلام، "شرُّ الأمورِ محدَثاتها؛ وكلّ محدَثةٍ يدعةٌ؛ وكل بدعةٍ ضلالةٌ؛ وكلّ ضلالةٍ في النار". وقال:"عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين بعدي؛ عضوًا عليها بالنواجذ؛ فإِنّه من يَعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا". فشَهد للخلفاء بعده بأنهم على سنّته المرضيّة. وقد بَلَغتنا سيرتهم ومذاهبم بالتواتر؛ فلم نَرَ فيها اعتزالًا، ولا نفيًا للقدر. بل المحظوظ عن عمر أنّه لما فَتَح بيتَ المقدس، خطب الناسَ، وتحت منبره عالمٌ من علماء النصارى. فقال عمر في خطبته:"من يهده اللهُ، فلا مُضِلّ له؛ ومن يُضلِل، فلا هادي له". فقال النصرانيّ:"ما تقول؟ " ففُسِّر له ما قال عمرُ. فَنَفَض يدَه، وقال:"إِنّ الله لا يُضِلّ أحدًا". فسأل عمرُ عمّا قاله النصرانيّ؛ فأُخبِر به. فقال عمر:"كَذَبتَ، أي عدوّ الله! إِنّ الله هو الهادي المضِلّ. والله هو أَضَلّك، وأوجَب لك النارَ. ولولا الأمان، لضَرَبتُ عنقَك". والمحظوظ عن عليِّ رضى الله عنه مناظراتٌ مفحِمةٌ لأهل القدر.
ومن المعلوم بالضرورة من حال التابعين أنهم لم يَعدلوا عن سنّة النبيّ وأصحابه؛ بل بالغ قومٌ منهم، حتى أخَذوا بظواهر الأحاديث؛ حتى استَنّ بهم مَن بعدَهم، فنُسِبوا إِلى