التشبيه. وكيث تصحّ نسبةُ الحَسَن البصريّ، وابن سيرين، ونحوهم، إِلى الاعتزال، مع أنّ أهل السنّة والحديث مِن أهل عصرهم كانوا أبغضَ الناسِ في المعتزلةِ ومَن قال بقولهم، وأحبَّ الناس في الحسن وابن سيرين، يَروُون عنهم التفسيرَ والحديث والتعبير والمواعظ والحكمة.
وإِنما دعوى عبد الجبّار لاعتزال الحَسَن وابن سيرين كدعوى اليهود والنصاري أنّ إِبراهيم ومحمّدًا كانا يهودّيين، أو نصرانييّن. وتلك دعوى لا تُسمَع. كيف، وقد حَكَى القيروانيّ في مفتاح خزانة التعبير أنّ أبا السيّار ذَكَر أنّ كامل بن طلحة قال:"قلتُ لحمّاد بن سلمة: "يا أبا سلمة. ما لك لا تَروي عن عمرو بن عبيدٍ، كما يَروى أصحابُك؟ "فقال: "إِني رأيتُ في المنام كأني دَخَلتُ المسجدَ، والناس كلّهم يُصلّون صفوفًا إِلى القبلة؛ وإِذا عمروٌ يُصلّي مستدبِرها. فتركتُ الروايةَ عنه".
قال القيرواني: "وقيل للحسن البصريّ: "لم هَجَرتَ عمرو بن عبيدٍ؟ " فقال: "يا قوم. أتعذلونني في رجلٍ، والله، لقد رأيته في المنام يَسجُد للشمس مِن دون الله! ".
قلتُ: عمرو بن عبيد بن بابٍ هو رئيس المعتزلة. كان حمو واصل بن عطاءٍ؛ وكان يُناظر في الاعتزال والقدر. ومناظرته لأبي عمرو بن العلاء في الوعيد مشهورةٌ؛ وقد سبقَت في مسألة الوعيد. وقد رآه الحَسنُ يِسجُد للشمس من دون الله؛ وهو إِشارةٌ من تلك الرؤيا إِلى أنّه مشابهٌ لبلقيس التي قال الله فيها، حكايةً عن الهدهد:{وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله}، الآية. وكانت، فيما ذكر أهلُ السير، مجوسيّةً. وقد وردَت الأخبارُ بأنّ القدرية مجوس هذه الأمّة، الذين يقولون:"لا قدر"، كما سنورد الأحاديث في ذلك، إِن شار الله. فهذا معنى رؤيا الحَسَنِ. فكيف يصحّ أنّ الحَسَن معتزلي، مع أنّه وأصحابه من أهل الحديث هَجَروا عمرَو بن عبيدٍ لأجل الاعتزال، لا غير؛ لأنّ عمروًا كان مِن الزهد وترِك الدنيا وفعلِ العبادات أَوحدَ زمانِه؛