للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإِنما كَبا به جوادُ الاعتقادِ الرَدي.

قلتُ: وذكر عبد الجبّار في الطبقات، قال: "فَصلٌ في مدحِ الاعتزال. وقد ذَكَرَ محمّد بن يزداد في كتاب المصابيح أنّ كلّ أرباب المذاهب نَفَوا عن أنفسهم الألقابَ، إِلاّ المعتزلة. فإِنهم تَبجَّحوا بها، وجَعَلوا ذلك عَلَمًا لمن تمسَّك بالتوحيد والعدل. واحتَجّ (يعني محمّد بن يزداد) في ذلك بأنّه تعالى ما ذكره إِلاّ في الاعتزال عن الشرِّ؛ كقول إِبراهيم: {واعتزلكم وما تدعون من دون الله}. وذَكَر أنّ المعتزلة هي المقتصِدة، اعتَزَلَت الإِفراطَ والتقصير، وسَلَكَت طريقَ الأدلّة. وذكر أنّ المعتزلة الأُولى هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يدًا واحدةً، يَتَولّى بعضُهم بعضًا، واتّفقوا على هذه الأصول. ورُوِي عن حُذيفة بن اليَمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، أنّه قال: "مَن اعتَزَل من السوء، سَقَط من الخير".

قلتُ: هذا كلّه يحكيه عبد الجبار عن محمّد بن يزداد صاحب كتاب المصابيح. وهو كلامٌ فاسدٌ. أمّا قوله، "إِن المعتزلة تَبجَّحت بلقبِها"، فلا مَدحَ فيه؛ لأنّ أهل كلّ دينٍ وبدعةٍ يَعتقِدون صوابها؛ كاليهود والنصاري يَتبجَّحون بديِنهم واسمِه، ويَدعُون إِليه؛ كقوله تعالى، حكايةً عنهم: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا}.

وأمّا قوله: "كلّ أرباب المذاهب نَفوا عنهم الألقابَ إِلاّ المعتزلة"، فليس بصحيحٍ. لأنهم لَمَّا استَفاض قولُه عليه السلام، "القدريّة مجوس هذه الأمّة"، ونحوه من الأحاديث، فَرُّوا من هذا اللقب، ونَفوه، وأضافوه إِلى مثبِتي القدر، مكابَرةً؛ كما يقال في المثَل: "رَمَتنب بدائها وانسلَّت"، وقولهم، "حد اسمك سمّني". مع أنّ النبيّ عليه السلام فَسَّر "القدريّة" بأنهم الذين يقولون: "لا قدر". {فنادوا ولات حين

<<  <   >  >>