مناص}؛ {يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر}. فإِنّ هذه الصفة ليست إِلاّ فيهم.
وأمّا قوله، "لم يَذكُره في الاعتزال [عن الخير]، ولم يَذكُره اللهُ إِلاّ في الاعتزال عن الشرّ"، فليس بصحيحٍ. فإِنّه إِمّا غير حافظٍ للقرآن، أو غافلٌ عن تَدَبُّره. وما كان يَنبغي له هذا الحصرُ، إِلاّ بعد السبرِ؛ فإِنّ موسى لقال لقوم فرعون:{وإن لم تؤمنوا لى فاعتزلون}؛ وقال سبحانه:{ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا}.
أَفَتَرى اعتزالَ قومِ فرعون موسى، واعتزالَ ابنِ نوحٍ نوحًا، كان اعتزالًا عن الشرّ، أو عن الخير والنبوّة والإِيمان؟ ومادّة الألفاظ كلّها واحدةٌ؛ وهي "عَزَل يَعزِل"، إِذا أَفرَد الشيء ونحّاه. و "العُزلَة": الانفراد. فمن انفَرَد عن خيرٍ أو شر، فقد اعتَزَله. وفي الحديث:"إِذا سجد ابنُ آدم، اعتزل الشيطانُ يبكي".
وأمّا قوله، "المعتزلة هي المقتصدة، اعتَزلت الإِفراطَ والتقصيرَ، وسَلَكَت طريقةَ الأدلّة"، فليس بجيّدٍ. وإِنما سُمُّوا "معتزلةً" لأنهم اعَتَزلوا مجلسَ الحسنِ البصريّ، وقولَ جمهورِ السلفِ في إِثبات القدر، واتَّخذوا حلقةً لهم يَقررون فيها أنّ الله لا يخلق أفعالَ العبادِ، ويجب عليه رعايةُ المصالح، ويجب عليه إِقابةُ الطائع، وعقوبةُ العاصي، وأنّه لا شفاعة للعُصاة، ونحو ذلك من أصولهم السابقة. فنَبَذهم الناسُ لذلك، واعتزلوهم أيضًا. فكان في اعتزالهم واعتزال الناس لهم ضربٌ من اعتزال الخوارج. وكيف تكون مقتصدةً، وهي تجعل كلَّ واحدٍ من عباد الله خالقًا معه في كلّ وقتٍ وكلّ زمانٍ! وأيّ إِفراطٍ بعد هذا؟ وأيّ تقصيرٍ لأقبح منه؟ والله سبحانه يقول:{أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}؛ وقال: