للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تتذكرون}.

وأمّا طريقة الأدلّة التي سَلَكوها، فهي طريقة إِبليس، طريقة التحسين والتقبيح، حيث قال: {أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين}. ولما سلكها، آل أمُره إِلى ما قد عُرف.

وأما قوله، "إِن المعتزلة الأولى أصحابُ رسولِ الله". فإِن أراد "بالاعتزال" ما عليه المعتزلة، فهو كذبٌ على الصحابة؛ والتواتر عنهم بخلاف ذلك. وإِن أراد أنهم اعتزلوا الشركَ والشرَّ والبدع، فهو كذلك.

وأمّا كونهم يدًا واحدةً، يتولى بعضهم بعضًا، فليس ذلك من خواص الصحابةِ، ولا المعتزلة، بل هو حكم عام في دين الإِسلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، الحديث، إلى أن قال: "وهم يدٌ على من سواهم". وقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد"، الحديث. والناس كذلك حتى الساعة.

غاية ما في الباب أنّ الصحابة كانوا أشدّ في ذلك. والمعتزلة أشدّ فيه لإِقامة بدعتِهم؛ إِذ هي خاملةٌ في العالم. فهو كتعاضد أهل الكتابَين، ن لضعفهم وخمولهم، واتّفاق الكتابِ والسنّة على ذمِّ رأيِهم، وغربتِهم بين أهل القلبة. وكلّ غريبٍ للغريب نسيبٌ.

وأمّا الحديث، "مَن اعتزل من الشر، سقط في الخير"، فهو إِن ثبت، مساوٍ لعكسه. إِذ الشر والخير نقيضان؛ من اعتزل أحدهما: سقط في الآخر.

ثمّ قال: "وروي عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افتَرَقَت بنو إِسرائيل على اثنتين وسبعين فرقةً. وستفترق أمّتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً؛ أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة". ثمّ قال سفيان لأصحابه: "تسموا بهذا الاسم؛ لأنكم قد اعتزلتم الظلم". فقيل له: "قد تسمى به عمرو بن عبيد وأصحابه". فكان (يعني

<<  <   >  >>