سفيانَ) بعد ذلك لا يَذكُر في الحديث هذا القول؛ بل يقول:"واحدةٌ منها ناجيةٌ".
ورُوي عن عثمان الطويل، قال: لقيتُ قتادة، فقال لي:"يا عثمان. ما حبسك عنا؟ لعل هذه المعتزلة حبستك عنا؟ " قلتُ: "نعم. حديثٌ سمعتُه يرونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سمعتك تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي على فرق؛ خيرها وأبرها المعتزلة". فأنا اليوم ممن لزمه هذا الاسم".
قلت: هذان الحديثان باطلان بالضرورة، لا أصل لهما بوجهٍ من الوجوه؛ أعني الزيادة التي مَدَح بها المعتزلةَ. أمّا الأوّل، فلأنّه غير معروفٍ من حديث سفيان، على كثرة أصحابه والرواة عنه، واختلافهم في ألفاظ روايته. حتى يقول أحدُهم مثلًا:"وما فاتكم، فأتمُّوا"، وبعضهم يزيد:"بالأرض" أو "فى اللحد"؛ ونحو ذلك كثيرٌ. وغرضنا ضرب المثال في تحريه وتحري أصحابه في ألفاظ السنة، فكيف يتواطؤون على كتمان هذه اللفظة، ويتركون الحق للباطل؛ كاليهود في تغييرهم صفة محمدٍ في التوراة! معاذ الله أن يُنسب هذا إلى صباين المحدثين، فضلًا عن أئمتهموأهل المناقب منهم.
ولو لم يكن الحديث ما يدل على بطلانه إِلاّ هذا، لكفى. كيف، وإنّه قد فسَّر "الفرقة الناجية" بقوله، "ما أنا عليه وأصحابى"! صح ذلك وثبت في السنة. فإن ادَّعوا أنهم على ما هو عليه وأصحابه، قلنا: ما الغرض ها هنا هذا. بل الغرض أنّ تفسير "الفرقة الناجية" وَرَدَ بغير لفظ "المعتزلة". أمّا كونكم أنتم الذين على ما هو عليه وأصحابه، أو غيركم، فذاك أمرٌ آخر. مع أنّ الظاهر الذي لا يخفى، والمعروف الذي لا يُنكَر، أن أهل الحديث هم الذين هم على ما كان عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فَمن نازعهم في ذلك، فقد ادّعى ما ليس له.