ذكرتموه وذكرناه، وجب التوفيقُ بين القسمين. وليس إِلاّ بحملِه على ما ذكرنا من التصرُّفين، واعتقادِ عدل الله، والتسليمِ حُكم الله، كما قلنا في آيات الصفات، مع قوله تعالى:{ليس كمثله شئ}.
واعترض أبو الهذيل وعلى هذا بأن قال:"لو فَهِمتَ العربُ من آيات الإِثبات التي استقرأتموها ما فَهمتم، لاحتجّوا على النبيّ عليه السلام بها، وقالوا: "كيف تأمرنا بالإِيمان، وقد حِيل بيننا وبوينه؟ وتنهانا عن الكفر، وقد خلقه اللهُ فينا، واضطرّنا إِليه؟ " وكان يكون ذلك من أقوى القوادح في نبوّته؛ لظهور تناقُضِ ما جاء به، مِن أمرِه بالإِيمان وإِخباره بمنعهم منه. فلمّا لم يحتجّوا عليه بذلك، دلّ على أنّ المراد من تلك الآيات غير ما فهمتم".
والجواب على هذا من ووجوهٍ.
أحدها: أنّه باطلٌ بقوله تعالى: {سيوق الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} فها هم قد احتجّوا عليه بما كر، وأكذَبهم اللهُ، كما سبق تقريره. ولم يَكُ ذلك قادحًا في النبوّة.
الوجه الثاني: بتقدير أنهم ما احتجّوا بذلك، فإِنهم صُرِفوا عن الاحتجاج به، لكونه قادحًا في النبوّة؛ كما صُرفوا عن معارضة القرآن عند المعتزلة، بناءً على الصَرفة عندهم.
الوجه الثالث: أنّ العرب لم يكونوا في التشكّك كأبي الهذيل؛ فلم ينتهوا لذلك.
ويَرِد على هذين الوجهين أنّ الصرفة عامّةٌ للكفارِ فمَن بعدهم، حتى لا يتسطيع أحدٌ [أن] يعارِض القرآنَ. فلو عارضَه الآن معارِضٌ، لقدح في النبوّة. والذي صُرِف عنه الكفارُ من الاحتجاج بآيات القدر، قد احتججتم أنتم به. فيجب أن يكون قادحًا في النبوةّ؛ وهو خلاف الإِجماع. وكذلك قولهم، "إِنّ الكفّار لم يكونوا كأبي الهذيل"، يقتضي أنّ سؤال أبي الهذيل قادحٌ في النبوّة؛ وليس كذلك. والأجود في الجواب الأوّل.