للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمّا التفصيل، فإِنّ الجواب عن أكثر ما ذكروه في الوجوه العشرة قد سبق في جواب رسالة الحَسَن. ونحن نستقرئ الوجوه المذكورة إِقامةً لرسم الجواب فنقول:

أمّا الأوّل، فإِضافة الأفعال فيه [إِلى] العباد من حيث الكسب، لا الخلق. وقد سبق دعوى أبي الحسين الضرورةَ بهذا الطريق على أنّ أفعال العباد خلقٌ لهم جوابها.

فإِن قيل: "العبد إِمّا أن يكون مستبِدًا بإِدخال فِعله في الوجود، أو لا. فإِن كان، فهو تسليم الدعوى للمعتزلة. وإِن لم يكن، كان مضطرًّا؛ لأنّ الله سبحانه إِن خلقه فيه، وجب وقوعُه؛ وإِن لم يخلقه، امتنع وقوعُه. وحينئذٍ، يظهر أنّ الكسب اسمٌ لا مُسمى له".

والجواب من وجهين: أحدهما: أنّه لازمٌ عليهم أيضًا، كما سبق. وبيانه ها هنا أنّ ما علِم اللهُ أنّه يوجَد، وجب وقوعُه؛ وما علم أنّه لا يوجَد، امتنع وقوعُه. فالعبد مكلَّفٌ إِمّا بواجبٍ، أو ممتنعٍ. والأوّل اضطرارٌ، والثاني تكليفٌ بالمحال. فإِن قالوا: "لا نُسَلَّم أنّه يجب وقوعُه لمجرّد علمِ الله بوقوعه، بل بشرط تأثير قدرة العبد فيه"، قلنا: فنحن نقول أيضًا إِنّه لا يجب بمجرّد علمِ الله بوقوعه، بل بشرط إِجرائه على أدوات العبد موافقًا لعزمه وإِرادته؛ وهو الكسب الذي نعنيه. واستوى القولان. وغاية ما يَلزم من قولنا تكليفُ المحالِ؛ وهو لازمٌ عليكم؛ وقد بيّنّا جوازَه.

الثاني: أنّ نفيَ حقيقة الكسبِ، مع أنّ الله أضافه إِليهم في غير موضعٍ، ولم يُضِف الخلقَ إِليهم في موضعٍ واحدٍ، بُهتٌ ومكابَرةٌ. فثبت أنّ الكسب حقيقةٌ في نفس الأمر.

وَهبْ أنّا أخطأنا معرفة تلك الحقيقة؛ لكنّ ذلك غير قادحٍ ثى ثبوتها. وحينئذٍ، ينصرف جميعُ ما ذكرتموه إِليها.

هذا هو الجواب عن الثاني والرابع والسادس والثامن وما بعده.

وأمّا الثالث، فقد بيّنّا أنّ لا اتَجاه للظلم على الله سبحانه مع إِثبات التصرُّف الكونيّ. وأمّا التفاوت والقبح، فهو في أكساب العباد، وكسبُ العبدِ يجوز أن يؤثِّر

<<  <   >  >>