استحقاقه بسبب من المستحِق أولى وأحسن وأكمل من التفضّل به على ما هو مدركُ لنا بالضرورة. ثمّ بنوا على ذلك استحقاق الثواب على العمل. واعلم أنّ هذه المسألة كبيرةٌ، ولنا عليهم كلامٌ في موضعين.
أحدهما: إنّ قول القائل، "أفعال الله تعالى معلّلةٌ بالأغراض"، إِن أراد بذلك أغراضًا، إِن أراد بذلك أغراضًا تفيده كمالًا ليس له- كما في حقّنا، حيث يعمل أحدُنا سريرًا لينام عليه، أو يقاتل أعداءَه ليملك أرضَهم ويرأس عليهم، ونحو ذلك -فهذا ممتنعٌ في حقّ الله. إِذ كماله ذاتى أزليُّ سرمديّ. وإِن أراد أغراضًا هي حِكَمٌ، الأفعالُ مقتضياتٌ وغاياتٌ لها، كتصرف الملوكِ في ممالكهم، فهذا لا وجه لمنعه؛ والقرآن مملوءٌ بالتصريح به، كقوله:{وجعلنا الليل والنهار آيتين}، إِلى قوله:{لعلموا}، وقوله:{جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا}، {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته}، {ألم نجعل الأرض مهادا}، ونحوه كثيرٌ. وبالجملة، ما فَعَل اللهُ سبحانه ولا يَفعلُ فِعلًا إِلاّ لحكمةٍ مِن مُقتض وغايةٍ، لقوله تعالى:{أفحسبتن أنما خلقناكم عبثا}، إِلى قوله:{فتعالى الله الملك الحق}، أي عن العبث وما يُنسَب إِليه من الشرك.
ومّما يُحقق أنّ أفعاله معلًّلةٌ بالتفسير المذكور أنها لو لم تكن كذلك، لزم منه إِفحامُ الرسلِ؛ لأن يقال للرسول:"معجِزُك هذا الذي أُثبِتَّ به لم يخلقه اللهُ لأجل تصديقك، بل خَلَقه لا لعلّةٍ ولا لغرضٍ، وإِنما ظهر على وَفق دعوالك اتّفاقًا". فتعليل الأفعالِ لازمٌ لصحّة الاحتجاج بالمعجِز. وإِذا لزم خَلقُ المعجِزِ لأجل التصديق، جاز تعليلُ غيرِه من الأفعال؛ إِذ لا قائل بالفرق.
الموضع الثانى: قولهم، "استحقاقُ الثواب بالعمل"، كلامٌ فيه إجمالٌ. وقد ورد في الكتاب والسنّة ما يدلّ على نفيه وإِثباته؛ فلابدّ من تحقيق وجهِ الجمع بين ذلك.