أمّا ما ورد في الكتاب مّما يدلّ على إثباته، فقوله تعالى:{جزاء بما كانوا يعملون}، ونحوها؛ وهي كثيرةٌ. وهذه الباء تقتضي في عُرف الاستعمالِ المقابَلة والعِوَضيّة، نحو "بِعتُك هذا بهذا".
وأمّا ما في السنّة من ذلك، فما رَوى ابنُ عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"إنما مَثَلُكم ومَثَلُ اليهودِ والنصارى، كرجلٍ استعمل عُمّالًا، فقال: "من يعمل لى نصفِ النهار على قيراطٍ قيراطٍ؟ " فعملت اليهودُ على قيراطِ قيراطٍ. فقال: "من يعمل لى من نصف النهار إِلى العصر على قيراطٍ قيراطٍ؟ " فعملت النصارى على قيراطٍ قيراطٍ. ثمّ أنتم تعملون من صلاة العصر إِلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين: فغضبَت اليهودُ والنصارى وقالوا: "نحن أكثرُ عَمَلًا وأقلُّ عطاءً". فقال: "هل ظلمتُكم من حقّكم شيئًا؟ " قالوا: "لا". قال: "فإنّه فَضلى، أُوتيه من أشاء". رواه البخاريّ والترمذيّ وصحّحه. فوجهُ دلالته أنّه شَبَّه العبادَ في طاعتهم بالأُجَراء في أعمالهم، وقال: "هل ظلمتُكم من حقّكم شيئًا؟ ؟ سمّاه "حقًّا لهم"؛ ودلّ على أنّه لو نَقَصَهم مّما استعملهم عليه شيئًا، ظَلَمَهم.
وأمّا ما وَرَد في الكتاب مّما يدلّ على نفيه، فقوله تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم}، إِلى قوله:{ولادخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله}. وقوله:{لكن الذين اتقول ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله} أي تفضُّلًا من عنده، لا يجب عليه. هذا من عرف اللغة في قول القائل، "أعطيُته كذا وكذا من عندي". وكذا قوله تعالى:{رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}، {لأولى الألباب}.