فيه مادتان، ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاء حتى يخرج المادة النحاسية من الذهبية، ويبقى ذهباً خالصاً. فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء، ليست بدون نعمة الله عليه في العافية، فليشغل قلبه بشكره ولسانه بذكره:"اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك". وكيف لا يشكر من قيض له ما يستخرج خبثه ونحاسه، ويصيره تبراً خالصاً يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟
فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضاء والشكر، والله أعلم. انتهى.
من "الكوكب المنير شرح الجامع الصغير" للعلقمي حديث: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه" الحديث. وفيه:" حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".
قال شيخ شيوخنا: والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعم الله عليه أكثر، كان بلاؤه أشد. قال ابن الجوزي: في الحديث دلالة أن القوي يحمل ما حمل، والضعيف يرفق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء. ومنهم من ينظر إلى البلاء، فيهون عليه البلاء. وأعلى من ذلك درجة، من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه، فيسلم ولا يعترض عليه. قال الدميري: قد يجهل بعض الناس فيظن أن شدة البلاء وكثرته إنما تنزل على العبد لهوانه، وهذا لا يقوله إلا من أعمى الله قلبه، بل العبد يبتلى على حسب دينه، كما في حديث الباب. قال سفيان الثوري: ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة. قال الدميري: قد ابتلي خلق كثير من أولياء الله بأنواع الأذى، فبعضهم ضرب، وبعضهم حبس، وبعضهم نفي، وبعضهم قتل مظلوماً: علي بن أبي طالب وولده الحسين قتلا مظلومين، وكذا ابن الزبير، وسعيد بن جبير، وأحصى من قتل الحجاج صبراً، فكانوا