أن قال: تنبيه: تقدم ذكر المصنف المكروه، وأنه يفرق بالذات وغيره، فيثاب على الثاني دون الأول، على ما قدمه. فالمكروه بالذات، ما لم يكن في نفسه عبادة، بل نفس فعله مكروه من غير شئ وصف به، فحصلت الكراهة لأجل ذلك الوصف. فالوضوء في نفسه عبادة، ويكره الماء الحار الشديد الحرارة، والبارد الشديد البرودة، ونحو ذلك من الأمثلة. والصلاة في نفسها عبادة، وتكره بحضرة طعام تتوق إليه نفسه. وكذلك الحاقن، فإذا توضأ من الماء المذكور، أو صلى على الوجه المذكور، أثيب على أصل الوضوء والصلاة بحصول العبادة.
وكذلك السواك نفسه عبادة، ويكره بعود يضر، فإذا فعله حصل الثواب بأصل العبادة، وهو الفعل المشروع في الأصل، بخلاف السواك للصائم بعد الزوال، فإن نفس السواك مكروه، فيكون من المكروه بالذات، لأن نفس الفعل مكروه، وإن كان بعود لا يضر فلا يحصل عليه، لأنه لم يوجد فيه عبادة، وكذلك جميع المكروه الذي لا يوجد فيه عبادة، كنوم الجنب بغير وضوء، ولبس المزعفر والمعصفر، ولبث المتخلي فوق حاجته، ودخول الخلاء بشئ فيه ذكر الله، واستقبال الشمس والقمر حيث كره شئ من ذلك، ونحو ذلك من المكروهات. فالحاصل أن المكروه بالذات: الذي ليس معه عبادة كما تقدم في المثال. والمكروه بالعرض: الذي معه عبادة كما تقدم. هذا على قسمة المصنف، وإلا فقد يكون المكروه بالعرض على أصله مباحاً، لكنه كالمكروه بالذات، لأنه لا ثواب في المباح. انتهى.
من "المغني" بعد كلام له سبق: "لما روى سعيد، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فخلع أصحابه نعالهم، فلما قضى صلاته، قال: ما حملكم على القاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. قال: