الجهاد أو غيره من المصالح جاز لغيره أن يشتري منه ذلك وإن كان لا يعتقد جواز أصل القبض. وعلى هذا، فمن اعتقد أن لولاة الأمور فيما فعلوه تأويلا سائغا، جاز له أن يشتري ما قبضوه وإن كان لا يجوز هو ما فعلوه، مثل أن يقبض ولي الأمر عن الزكاة قيمتها فيشتري منه، أو مثل أن يصادر بعض العمال مصادرة يعتقد جوازها، أو مثل أن الجهاد وجب على الناس بأموالهم، وإن ما أخذوه من الوظائف هو من المال الذي يجوز أخذه وصرفه في الجهاد، ونحو ذلك من التأويلات التي قد تكون خطأ، ولكنها مما قد ساغ فيها الاجتهاد. فإذا كان قبض ولي الأمر المال على هذا الوجه، جاز شراؤه منه، وجاز شراؤه من نائبه الذي أمره بقبضه وإن كان المشتري لا يسوغ قبضه. والمشتري لم يظلم صاحبه، فإن شراءه بماله ممن قبضه قبضا يعتقد جوازه، وما كان على هذا الوجه، فشراؤه حلال في أصح الوجهين، وليس من الشبهات، فإنه إذا جاز أن يشتري من الكفار ما قبضوه بعقود يعتقدون جوازها وإن كانت محرمة في دين الإسلام، فلأن يجوز أن يشتري من المسلم ما قبضه بعقد يعتقد جوازه أولى، وإن كنا نراه محرما بطريق الأولى والأحرى، فإن الكافر تأويله المخالف لدين الإسلام باطل قطعا، بخلاف تأويل المسلم، ولهذا إذا أسلم الكفار وتحاكموا إلينا وقد قبضوا أموالا بعقود يعتقدون جوازها، كربا، وثمن خمر وخنزير، لم تحرم عليهم تلك الأموال، كما لا تحرم معاملتهم فيها قبل الإسلام، لقوله تعالى:" اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا". فأمرهم بترك ما بقي في الذمم، ولم يحرم عليهم ما قبضوه. وهكذا من الربا، من كان قد عامل معاملات ربوية يعتقد جوازها، ثم تبين له أنها لا تجوز وكانت من المعاملات التي