ومن "جمع الجوامع": الرابع: من طرق الناس في زمننا أن يدفع الأرض الموقوفة إلى رجل يغرسها بالنصف، أو الثلث، وحينئذ يكون النصف، أو الثلث الذي جعل له ملكا له، والجزء الآخر وقفا لأهل الوقف. لكن هنا أمر ينبغي التنبه له، وهو أن الجزء الذي غرس هل يلزمه فيه أجرة مدة مقامه في الأرض الوقف، أم لا؟ أما إذا شرط عليه أجرة فيه فيكون ذلك بإجارة، فهي إجارة، وتلزم الأجرة مدة مقامه فيها.
وأما إذا لم يشترط عليه أجرة، لم يلزمه أجرة، ويكون في مقابلة بقاء غرسه في أرض الوقف عمله وقيامه بنصف الغرس الذي لأرض الوقف.
وأما إذا أطلق ذلك، فهل تلزمه الأجرة؟ يتوجه احتمالان: أحدهما:
يلزمه الأجرة. والثاني: لا، وهو المختار. انتهى.
ومنه: الحادي عشر: لا يحتاج بيع الوقف إلى حاكم يحكم بجواز البيع قبل وقوعه كما يفعله الناس اليوم، سواء وقع البيع من الحاكم، أو الناظر، أو الموقوف عليه. لكن إذا صدر البيع، يحتاج إلى حكم بصحة البيع، أو بموجبه. فإذا حكم حاكم بذلك، لم يسغ لأحد نقضه، وإبطاله، إذا كان مذهب الحاكم ذلك. فأما إن حكم الحاكم بغير الصحيح، كأن باع وحكم بصحة البيع مع وجود النفع، وعدم تعطله فإنه يسوغ نقض حكمه، والغاؤه، وعلى كل أحد إنكار ذلك، إلا أن يكون الحاكم مجتهدا، ويرى ذلك. انتهى.
ومنه بعد كلام سبق: ولذلك يسوغ كثير من أصحاب مالك وبعض الحنفية أن يؤخذ من الطريق للمسجد، ومنه لها، إذا احتيج إلى ذلك.
وقال أصحاب مالك: وإن كانت الدور المحبسة حول المسجد، فاحتاج إلى سعة، فلا بأس أن تشترى دور الحبس ليوسع بها المسجد والطريق، لأنه نفع عام أعم من نفع الدار المحبسة. قال ابن حبيب عن مالك: ثم اختلف أصحاب مالك، هل ذلك مختص بالجوامع الكبار، أو عام في