يكره، ويحتمل أنه يباح؛ لأنه بذل نفسه لذلك، كالعامل في الزكاة والخراج ... إلى أن قال: وأما الحاكم؛ فإنه منتصب لإلزام الناس بشرائع الرب سبحانه وأحكامه، وتبليغها إليهم؛ فهو مبلغ عن الله بفتياه، ويتميز المفتي بالإلزام لولاية الله وقدرته، والمبلغ عن الله الملزم للأمة بدينه لا يستحق عليهم شيئاً، فالحاكم مفتي في خبره عن حكم الله ورسوله، وشاهد فيما ثبت عنده، ملزم بمن توجه عليه الحق، فيشترط له شروط المفتي والشاهد، ويتميز بالقدرة على التنفيذ، فهو في منصب خلافة من قال:"لا أسألكم عليه أجرً"(١) فهؤلاء هم الحكام المقدر وجودهم في الأذهان، المفقودون في الأعيان، الذين جعلهم الله ظلاً يأوي إليه اللهفان، ومناهل يردها الظمآن.
فائدة: الحاكم يحتاج إلى ثلاثة أشياء لا يصح له الحكم إلا بها: معرفة الأدلة، والأسباب، والبينات.
فالأدلة: معرفة الحكم الشرعي الكلي.
والأسباب: معرفة ثبوته في هذا المحل المعتبر وانتفاؤه عنه.
والبينات: معرفة طريق الحكم عند التنازع، ومتى أخطأ في واحدة من هذه الثلاث؛ أخطأ في الحكم، وجميع خطأ الحكام مداره الخطأ فيها أو في بعضها.
مثال ذلك: إذا تنازع اثنان عنده في رد سلعة مشتراه بعيب؛ فحكمه موقوف على العلم بالدليل الشرعي الذي سلط المشتري على الرد، وهو إجماع الأمة المستند إلى حديث المصرَّاة، وعزاه عن أهل العلم بالسبب المثبت لحكم الشارع في هذا المبيع المعين، ويقولون: هذا الوصف عيب يسلط على الرد، أم ليس بعيب؟
وهذا لا يتوقف العلم به على الشرع، بل على الحس، والعادة،