للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ناظراً لعيوب نفسه، محاسباً لها) للنفس (عليها) أي على الذنوب (راجياً) من الله الكريم (غفرانها) فإنها وإن عظمت وكثرت فعفو الله أعظم وفي الحديث: «أذنبك أعظم أم السماء والأرض؟ فقال: ذنبي، فقال صلى الله عليه وسلم: أذنبك أعظم أم عفو الله؟ فقال عفو الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى لي من عملي». (خائفاً من سطوة الله تعالى): فإنه وإن أمهل المذنب ربما أخذه أخذ عزيز مقتدرنسأل الله العفو.

(فصل [١])

(سن): عيناً (لآكل وشارب) ولو صبياً (تسمية) ويندب الجهر بها لينبه الغافل ويتعلم الجاهل وإن نسيها في أوله أتى بها حيث ذكرها فيقول بسم الله في أوله ووسطه وآخره فإن الشيطان يتقايأ ما أكله خارج الإناء والاقتصار على بسم الله أحد راجحين (وندب) لآكل وشارب (تناول باليمين) وسينص على كراهة ضده (كحمد بعد الفراغ) تشبيه في الندب، ويندب أن يكون سراً خوفاً من حصول الخجل للغير قبل الشبع، ويندب الصلاة والسلام على الواسطة في كل نعمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وقولهم يكره في الأكل أي في أثنائه وابتدائه (و) يندب (لعق الأصابع) ولا تحديد فيما يبتدأ بلعقه وسيذكر أنه يتناول بغير الخنصر (مما تعلق بها) من الطعام اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يلعق أصابعه قبل الغسل وفيه مراعاة النعمة وهضم النفس ثم بعد لعقها إن لم يكن في الطعام دسم فلا يطالب بغسلها بل يمسحها بعضها ببعض أو في منديل وإن كان فيه غمر فيندب غسلها كما قال (غسلها بكأشنان) لأن بقاء الغمر يورث الجنون أو البرص أو أذية الهوام له وسيذكر ما يكره غسل اليد به وأما غسلهما قبل الطعام له فالمشهور عندنا الكراهة قال مالك: وليس العمل على قوله صلى الله عليه وسلم: «الغسل قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم» أي ليس عمل أهل المدينة عليه ومذهبه تقديم العمل على الحديث الصحيح لعلمهم بحاله صلى الله عليه وسلم فما خالفوا الحديث إلا لكونه صلى الله عليه وسلم فعل خلافه وقد غسل إمامنا مالك رضي الله عنه وعنا به قبل الطعام

ــ

نفسه قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: ٧].

قوله: [ناظراً لعيوب نفسه]: أي ففي الحديث: «إذا أراد الله بعبد خيراً بصره عيوبه» وقال بعضهم:

معيب على الإنسان ينسى عيوبه ... ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى

فلو كان ذا عقل لما عاب غيره ... وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى

قوله: [ورحمتك أرجى لي من عملي]: هو معنى قول العارفين: الاعتماد على العمل نقص في الإيمان وفي هذا المعنى قال بعضهم:

ذنوبي وإن فكرت فيها كثيرة ... ورحمة ربي من ذنوبي أوسع

وما طمعي في صالح قد عملته ... ولكنني في رحمة الله أطمع

قوله: [خائفاً من سطوة الله تعالى]: قال تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف: ٩٩] فتحصل أنه يلزمه الرجاء والخوف جمعاً بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: ٥٣] فيكون الرجاء والخوف منه كجناحي الطائر لكن في حال الصحة يغلب الخوف كما قال المصنف - رضي الله عنه - في الخريدة:

وغلب الخوف على الرجاء ... وسر لمولاك بلا تنائي

فصل:

سن عيناً

شروع منه في آداب الأكل والشرب والآداب المذكورة ثلاثة أشياء سوابق ومقارنة ولواحق، فمن السوابق قوله: (سن لآكل وشارب تسمية) إلخ وقوله: (عيناً) أي خلافاً للسادة الشافعية حيث قالوا إنها سنة كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين.

قوله: [أحد راجحين]: أي والآخر يكملها وهو المعتمد لأن في التكميل تذكار نعمة المنعم ورد في الحديث زيادة على التسمية: «وبارك لنا فيما رزقتنا» وإن كان الطعام لبناً يزيد على ذلك "وزدنا منه".

قوله: [تناول باليمين]: أي لخبر: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله». واختلف الشيوخ في أكله فقيل حقيقة وقيل مجازاً عن الشم، وفيه شيء مع قوله في الرواية: «إنه يتقايأ ما أكله».

قوله: [كحمد بعد الفراغ]: أي وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول عند فراغه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين».

قوله: [خوفاً من حصول الخجل للغير] إلخ: هذا هو الفرق بين ندب الجهر بالتسمية وإسرار الحمد.

قوله: [أي في أثنائه وابتدائه]: أي إن قصد التسنن.

قوله: [اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -]: أي قولاً وفعلاً ففي الحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها»، زاد الترمذي: «فإنه لا يدري البركة في أول طعامه أو آخره» وورد أيضاً: «أن من لعق الأصابع من الطعام وشرب غسالتها عوفي في نفسه من الجنون والجذام والبرص هو وولده» وورد أيضاً: «من التقط فتاتاً من الأرض


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] زاد بعدها في ط المعارف: (بعض السنن).

<<  <  ج: ص:  >  >>