للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيحمل على ما إذا كان باليد شيء وعليه يقدم رب الطعام. وأما بعد الأكل فيقدم الضيف، كما وقع للإمام مالك مع الإمام الشافعي حين نزل عنده بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

(و) يندب (تخليل ما بالأسنان مما تعلق بها) من بقايا الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم-: «نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجالس الملائكة وليس أضر على الملائكة من بقايا ما بين الأسنان». واعلم أنه يجوز بلع ما بين الأسنان إلا لخلطه بدم فليس مجرد التغير يصيره نجساً خلافاً لما قيل.

(و) يندب (تنظيف الفم) بالمضمضة والسواك ويتأكد ذلك عند إرادة الصلاة.

(و) يطلب (تخفيف المعدة) بتقليل الطعام والشرابعلى قدر لا يترتب عليه ضرر ولا كسل عن عبادة، فقد يكون الشبع سبباً في عبادة واجبة فيجب، وقد يترتب عليه ترك واجب فيحرم، أو ترك مستحب فيكره وإن لم يترتب عليه شيء فيباح. (و) يندب لك (الأكل مما يليك) إن أكلت مع غيرك من غير ولد وزوجة ورقيق إذ لا يطلب بالأدب معهم وهم يطلبون. وقد أمر صلى الله عليه وسلم عمر ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين أكل معه من نواحي الصحفة بقوله صلى الله عليه وسلم له: «كل مما يليك» فيكره الأكل من غير ما يليه؛ لأنه ينسب للشره. وقال صلى الله عليه وسلم لعكراش رضي الله عنه حين أكل معه ثريداً: «كل من موضع واحد فإنه طعام واحد» ثم أتي صلى الله عليه وسلم بطبق فيه ألوان من الرطب فجعل يأكل من بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم: «كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد» فلذا قال المصنف: (إلا [١] في نحو فاكهة): أي مما هو أنواع كما في الحديث ونحوها كالأطعمة المختلفة. (و) يندب (أن لا يأخذ لقمة إلا بعد بلع ما في فيه) فأخذها قبل ذلك مكروه ينسب للشره. (و) يندب أن يأخذها (بما عدا الخنصر) إن لم يحتج للخنصر. والحاصل أن المطلوب الأكل بالإبهام والسبابة والوسطى لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «الأكل بأصبع أكل الشيطان وبأصبعين أكل الجبابرة وبالثلاث أكل الأنبياء» فلا يزيد إن لم يحتج لغيرها. وقد أكل صلى الله عليه وسلم بالثلاثة وبالأربعة وبالخمسة على حسب الطعام. (و) يندب (نية) بالأكل (حسنة) لحسن متعلقها: (كإقامة البنية) والتقوي على الطاعة وشكر المنعم. (و) يندب (تنعيم المضغ): أي الممضوغ أو يراد بتنعيمه المبالغة فيه حتى يصير الممضوغ ناعماً يلتذ به ويسهل بلعه ويخف على المعدة. (و) يندب (مصه الماء) وسيذكر محترزه وهو أن العب مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب أحدكم فليمص مصاً ولا يعب عباً، فإن الكباد من العب» اهـ والكباد بوزن غراب: وجع الكبد. ومثل الماء كل مائع كلبن (و) يندب (إبانة): إبعاد (القدح) حين التنفس حالة الشرب (ثم عوده): أي القدح لفيه (مسمياً) عند وضعه على فيه (حامداً) عند إبانته يفعل ذلك (ثلاثاً): وهذا هو الراجح، وقيل: يجوز الشرب في مرة على حد سواء والراجح أنه خلاف الأولى أو مكروه لقوله

ــ

وأكلها كان كمن أعتق رقبة» وورد: «إنه مهر الحور العين وأن من داوم على ذلك لم يزل في سعة».

قوله: [فيحمل على ما إذا كان باليد شيء]: مثله ما إذا كانت نفوس الحاضرين تأنف من ترك الغسل، أو يكون من في المجلس يده تحتاج للغسل ويقتدي به، وبالجملة غسل اليد قبل الطعام وإن لم يكن سنة عندنا فهو بدعة حسنة.

قوله: [حين نزل عنده بالمدينة]: أي كان الإمام الشافعي ضيفاً للإمام مالك.

قوله: [خلافاً لما قيل]: أي فإنه قول حكاه بعض شراح الرسالة بقوله وتغير عن حالة الطعام لا يجوز بلعه؛ لأنه صار نجساً ونظر بعضهم في نجاسته فادعى أنه باق على طهارته، وقال صاحب المدخل: نجاسة ما بين الأسنان ليست لمجرد تغيره بل لما يغلب على الظن من مخالطته لشيء من دم اللثات.

قوله: [ويندب تنظيف الفم] إلخ: ظاهره وإن لم يكن في الطعام دسم لما تقدم أنه «ليس أضر على الملائكة من بقايا ما بين الأسنان» وقوله [ويطلب تخفيف المعدة] إلخ قال في الرسالة: ومن آداب الأكل أن تجعل بطنك ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، قال شارحها لاعتدال الجسد وخفته لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة، ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي للنفس موضع إلا على وجه يضر به ولما ورد: «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء أي: وأصل كل داء البردة» والحمية خلو البطن من الطعام، والبردة إدخال الطعام على الطعام.

قال سهل التستري: الخير كله في خصال أربع بها صارت الأبدال أبدالاً: إخماص البطون، والعزلة عن الخلق، والصمت، وسهر الليل. وقال العارفون أيضاً: الشبع من الحلال يقسي القلب ويقل الحفظ ويفسد العقل ويكثر الشهوات ويقوي جنود الشيطان ويفسد الجسد فما بالك بالحرام.

قوله: [على قدر لا يترتب عليه ضرر]: أي لأن المخمصة قد تكون شراً من الشبع قال صاحب البردة:

واخش الدسائس من جوع ومن شبع ... فرب مخمصة شر من التخم

قوله: [من غير ولد وزوجة ورقيق]: أي والجميع لك.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (وإلا).

<<  <  ج: ص:  >  >>