للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي التداوي بالنار ثلاثة أقوال وقوله "إن [١] احتيج له" أي للدواء بما تقدم.

(وجاز قتل كل مؤذ) ما شأنه الإيذاء ولو لم يؤذ بالفعل ثم بين بعض ذلك بقوله (من فأر وغيره) كابن عرس. واعلم أن ميتة الثعبان والسحلية وبنت عرس والوزغ نجسة إذ كلها ذو نفس سائلة ويجوز أكل الجميع بالتذكية إلا لضرر وعليه يحمل قول من قال بحرمة أكل بنت عرس فإنه من حيث إنه يورث العمى (وكره حرق القمل والبرغوث ونحوهما) كبق وجميع خشاش الأرض بالنار ولا يكره بشمس ولا قصع أو فرك ولما كان الأصل فيها الإيذاء وإن لم تؤذ بالفعل كره بالنار لما فيها من التعذيب ولم يحرم.

والحاصل أن قتل جميع الحشرات بالنار مكروه وبغيرها جائز وإن لم يحصل منه أذية بالفعل وأما النمل بالنون والنحل –بالحاء المهملة- والهدهد والصرد فإن حصل منها أذية ولم يقدر على تركها فيجوز قتلها ولو بالنار فإن لم تؤذ حرم قتلها ولوبغير النار فإن آذت وقدر على تركها فيكره القتل ولو بالنار وهل المنهي عن قتله مطلق النمل أو خصوص الأحمر الطويل الأرجل لعدم أذيته بخلاف الصغير فشأنه الإيذاء ويستحب قتل الوزغ وإن لم يحصل منه أذية وقد رغب فيه صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة وفي الثانية سبعون وفي الثالثة خمس وعشرون» لأنها من ذوات السموم واعلم أنها ذو نفس سائلة فميتتها نجسة وتنجس المائع الذي تموت فيه وفاقاً لأبي حنيفة، وقال الشافعي رضي الله عن الجميع بخلاف ذلك. ويكره قتل الضفدع إن لم يؤذ فإن آذت جاز إن لم يقدر على تركها وإلا ندب عدم القتل ويجوز أكلها بالذكاة إن كانت برية.

(والرؤيا الصالحة) المبشرة أو الصادقة (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) كما ورد في الصحيحين وهذا إذا كانت من شخص ممتثل أمر الله وإلا فلا، والأحسن عدم تحديد ذلك الجزء، وأما تحديده بنصف سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه ثلاث وعشرون سنة وكان قبل ذلك يرى في المنام ما يلقيه الملك ستة أشهر فيتوقف على حديث صحيح بأنها ستة وأن ما بعدها ثلاث وعشرون. ولم يصح في ذلك خبر، والمراد من كونها جزءاً أي: في الجملة إذ فيها اطلاع على الغيب من وجه أو؛ لأن النبوة أنواع؛ لأن الوحي كان يأتي على أنواع والله أعلم.

(وينبغي أن يقصها): أي يخبر بها ويعرض ما رأى (على عالم صالح محب)؛ لأنه الذي له نور وفراسة. (ولا ينبغي) أي يحرم (تعبيرها لغير عارف بها) قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: ٣٦] والعلم بتفسير الرؤيا ليس من كتب كما يقع للناس من التعبير من ابن سيرين فيحرم تفسيرها بما فيه، بل يكون بفهم الأحوال والأوقات وفراسة وعلم بالمعاني، والفراسة بفتح الفاء وكسرها: نور يقذفه الله في القلب يدرك به الصواب وقيل؛ ظن صائب. واعلم أنه حرم إذا علم أنها على خير أو شر تفسيرها بالضد؛ لأنه كذب، بل إن كانت شراً يقول نحو: نسأل الله خيراً، أو يسكتوإن فسر بالضد لا تخرج على ما عبرت به. وقيل: الرؤيا على ما عبرت به، ولذلك ينهى عن قصها على عدو خوف أن يخبر بسوء فتخرج عليه (ومن رأى) في نومه (ما يكره) واستيقظ من نومه (فليتفل) بضم الفاء من باب قتل وبكسرها من باب ضرب

ــ

قوله: [ففي التداوي بالنار ثلاثة أقوال]: إنما اختلف فيه لما في الحديث: «الشفاء في ثلاث: شرطة محجم وشربة عسل وكية نار ولا أحب الاكتواء».

قوله: [كابن عرس]: أدخلت الكاف باقي ما ورد إباحة قتلها في الحل والحرم للمحرم وغيره، بل وما يؤذي من بني آدم كالمفسدين في الأرض بسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الحريم.

قوله: [وبغيرها جائز]: ظاهره يشمل الماء لكن قال بعضهم إن الماء كالنار في الكراهة.

قوله: [والصرد]: هكذا بوزن زحل.

قوله: [فله مائة حسنة] إلخ: إن قلت كان مقتضى الظاهر أن الأجر يزيد بتعدد الضربات؟ وأجيب بأن القتل لها في مرة يدل على مزيد اعتناء القاتل بالأمر ومزيد الحمية الإسلامية.

قوله: [لأنها من ذوات السموم]: أي ولما ورد أيضاً أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام -.

قوله: [واعلم أنها ذو نفس سائلة] إلخ: هذا مكرر مع ما تقدم إلا أن يقال: كرره لذكر الخلاف فيه بعد ذلك.

قوله: [إن لم يقدر على تركها]: أي إن لم يمكن الصبر عليها وإنما نهي عن قتلها لما قيل إنها أكثر الحيوانات تسبيحاً حتى قيل إن صوتها جميعه ذكر ولأنها أطفأت من نار إبراهيم ثلثيها.

قوله: [المبشرة أو الصادقة]: أشار بذلك إلى تنويع الخلاف.

قوله: [وهذا إذا كانت من شخص ممتثل أمر الله] إلخ: هذا التقييد على حسب الغالب وإلا فقد تكون من غير ممتثل بل وتكون من الكفار، وذلك كرؤيا عزيز مصر ورؤيا من كان مع يوسف - عليه السلام - في السجن.

قوله: [وأما تحديده] إلخ: هذا الكلام غير مناسب وإنما الذي قاله شراح هذا الحديث إن هذا الجواب لا يتم إلا لو لم يعارضها روايات أخر مع أنه عارضها روايات كثيرة منها: «جزء من خمسة وعشرين جزءاً» ومنها «جزء من أربعين جزءاً» ومنها «جزء من سبعين»

قوله: [أو لأن النبوة أنواع]: أي فتارة تكون بالملك جهاراً وهو أقسام وبالمكالمة من غير واسطة وبالإلقاء في الروع وبالمنام.

قوله: [فيحرم تفسيرها بما فيه]: أي إن لم ينضم لذلك بصيرة من المعبر؛


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>