للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يؤبد، نعوذ بالله ونتوسل بنبينا صلى الله عليه وسلم أن يجيرنا من النار. (فينبغي) مستعملة في الوجوب والندب (للعاقل) المتصف بالعقل نور إلى آخر ما هو معلوم فيه من الخلاف (أن يتجافى عن دار الغرور) يتباعد عما يتعلق بها مما هو زينة ظاهرية ونقمة باطنية مما يخالف الشرع فلا يعتني بجمعها قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له» فيلزم ترك ما يشغل منها والغرور ما يغر ثم يزول وقيل الباطل. قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: ١٨٥] أي لذاتها وزخارفها شيء يتمتع به المغرور. ومعلوم أن المغرور مغبون كمن دلس عليه البائع حتى غره في شراء معيب وهذا إن لم يعمل بها للآخرة وإلا فهي ممدوحة (بترك الشهوات) المحرمة والمكروهة بل والمباحة بحيث يصرفها بالنية الحسنة للطاعة قال صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» وقد ورد: أنه قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سويق اللوز فرده وقال: «هذا طعام المترفهين في الدنيا» وقد أوحى الله إلى داود عليه السلام: حرام على قلب أحب الشهوات أن أجعله إماماً للمتقين. وقال سيدنا علي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إن أردت اللحوق بصاحبيك فرقع قميصك واخصف نعلك وقصر أملك وكل دون الشبع. فخطب للناس وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وقدمت إليه حفصة مرقاً بارداً وصبت عليه زيتاً فقال: إدامان في إناء؟ لا آكله حتى ألقى الله عز وجل (والفتور) بالفاء والمثناة فوق: الكسل عما هو مطلوب شرعاً وقد تعوذ من ذلك صلى الله عليه وسلم في حديث دفع الفقر ووفاء الدين الذي علمه للرجل الذي [١] أتعبه الدين كما تقدم.

(ويقتصر على ضرورات) ما تدعو الحاجة الضرورية إليه فيما يتعلق به وبمن تلزمه نفقته تاركاً الفضول المباحات خصوصاً فيما يتعلق باللسان والبطن، أوحى الله إلى سيدنا عيسى على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام: إذا كنت وحدك فاحفظ قلبك وإذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك وإذا كنت على المائدة فاحفظ بطنك وإذا كنت على الطريق فاحفظ عينك فهذه تورث السلامة والصحة.

(شاكراً) له تعالى بصرف ما أنعم به عليه لما خلق له (ذاكراً) له تعالى بلسانه وقلبه (صابراً) على المكاره قال صلى الله عليه وسلم: «الصبر ثلاثة صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية؛ فمن صبر على المصيبة حتى يردها

ــ

يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»

قوله: [ولا يؤبد]: أي لا يخلد فيها قال صاحب الجوهرة:

وجائز تعذيب بعض ارتكب ... كبيرة ثم الخلود مجتنب

قوله: [مستعملة في الوجوب والندب]: أي فالوجوب في التجافي عن المحرمات والندب في التجافي عن المكروهات وخلاف الأولى.

قوله: [إلى آخر ما هو معلوم]: أي نور يقذفه الله في القلب، وله شعاع متصل بالدماغ تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية هذا هو أشهر الأقوال.

قوله: [من لا دار له]: أي في الآخرة.

قوله: [من لا مال له]: أي في الآخرة.

وقوله: [من لا عقل له]: أي كاملاً.

قوله: [فيلزم ترك ما يشغل منها]: أي يجب ترك كل مشغل عن الله حيث كان في الشغل به ضياع الواجبات والوقوع في المحرمات.

قوله: [كمن دلس عليه البائع] إلخ: قال في بردة المديح في هذا المعنى:

ويا خسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

ومن يبع عاجلاً منه بآجله ... يبن له الغبن في بيع وفي سلم

قوله: [وإلا فهي ممدوحة]: أي لما في الحديث الشريف: «نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح».

قوله: [حفت الجنة بالمكاره] إلخ: مثال وكناية كأن الجنة لما كانت لا تنال إلا بالخروج عن الشهوات في مراضي الرب، مثلت بمدينة فيها من كل التحف لكن حولها آفات وعقبات فلا يصل إليها إلا من تحمل المكاره، ولما كان تتبع الشهوات مدخلاً للنار مثلت النار بمدينة احتوت على جميع المكاره وحولها زخارف وبساتين فتدبر قال تعالى: {فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: ٣٧ - ٤١].

قوله: [وقال سيدنا علي] إلخ: أي على عادة وعظ العلماء للأمراء.

قوله: [بصاحبيك]: يعني بهما النبي المصطفى وأبا بكر.

قوله: [فخطب للناس]: أي وهو أميرهم حينئذ وكان بعضها من آدم كما في السير.

قوله: [وقدمت إليه حفصة]: أي بنته وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

قوله: [في حديث دفع الفقر]: أي الذي هو قوله اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن إلخ.

قوله: [تورث السلامة]: أي من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وقوله: [والصحة]: أي في البدن وهي مترتبة على حفظ البطن.

قوله: [صابراً على المكاره]: أي متحملاً للمكاره وهي كل ما لا يوافق الطبع.

قوله: [على المصيبة]: أي المكاره الدنيوية وإلا فالمعصية من أكبر المصائب ومعنى الصبر على المصيبة تجرع مرارتها مع الاسترجاع قال تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: ١٥٦] الآية.

قوله: [وصبر على الطاعة]: أي المداومة عليها مع عدم السآمة منها.

قوله: [وصبر عن المعصية]: أي وهو عدم الإلمام مع الخروج عن شهوتها قال


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>