للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولربما قلبت المعصية طاعة وكثرة ذكر الله تعالى موجبة لنور البصيرة) من غير تحديد بعدد مخصوص قال تعالى: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} [الأحزاب: ٣٥] الآية. وقال شيخنا الأمير عن شيخنا المصنف: من ذكر ثلاثمائة يقال ذكر الله كثيراً فيدخل في الآية. وصلاة التسابيح فيها ثلاثمائة تسبيحة وثلاثمائة تحميدة إلخ. فمن فعلها كتب من المسبحين كثيراً الحامدين كثيراً إلخ اهـ

ــ

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

قوله: [ولربما قلبت المعصية طاعة]: كالدليل لما قبله، ورب هنا للتكثير أو للتحقيق وذلك كالكذب، فإنه معصية وتقلبه النية الحسنة طاعة. فتارة يكون واجباً كما في الكذب للتخليص من المهالك، وتارة يكون مندوباً كما في الكذب للإصلاح بين المتشاحنين، وهذا قلب لحقيقتها حال وقوعها، وتارة يكون قلبها بعد وقوعها بوصف العصيان كما إذا أورثته أحزاناً وإقبالاً وندماً وأسفاً وهو معنى قول صاحب الحكم: رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، وقال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: ٧٠] ويحتمل أن مراد الشيخ وقوع المعاصي من أهل الحقيقة الذين يطالعون الغيب فيشاهدون الأمر مبرماً بالمعصية فيقدمون عليه امتثالاً للمبرم لاستحالة تخلفه فقدومهم على المعصية بالإكراه كالساقط من شاهق، ففي الصورة يرى مختاراً وهو يشاهد سلب الاختيار عن نفسه وهذا المعنى قد شرحه العارف الجيلي بقوله:

ولي نكتة غراً هنا سأقولها ... وحق لها أن ترعويها المسامع

هي الفرق ما بين الولي وفاسق ... تنبه لها فالأمر فيه بدائع

وما هو إلا أنه قبل وقعه ... يخبر قلبي بالذي هو واقع

فأجني الذي يقضيه في مرادها ... وعيني لها قبل الفعال تطالع

فكنت أرى منها الإرادة قبل ما ... أرى الفعل مني والأسير مطاوع

إذا كنت في أمر الشريعة عاصياً ... فإني في حكم الحقيقة طائع

وعلى هذا المعنى تحمل الوقائع الخضرية ووقائع إخوة يوسف معه وأكل آدم من الشجرة فتأمل إن كنت من أهل النور وإلا فسلم لأهله مقالهم كما قال الشاعر:

وإذا لم تر الهلال فسلم ... لأناس رأوه بالأعيان

قوله: [قال تعالى والذاكرين الله كثيراً]: إن قلت إن الآية تدل على غفران الذنوب وعظم الأجر والمصنف أخبر بأن كثرة الذكر توجب نور البصيرة فلم يكن الدليل مطابقاً للدعوى؟ وأجيب بأن غفران الذنوب وعظم الأجر يستلزم نور البصيرة قال الشاعر:

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

قوله: [فيدخل في الآية]: أي فيتحقق له الوعد الذي في الآية والمراد أنه يذكر ذلك العدد ولو في العمر مرة، لكن العارفون جعلوا ذلك العدد كل يوم وليلة، وهذا أقل الذكر عند العامة، وأما ذكر المريدين فأقله اثنا عشر ألفاً في اليوم والليلة، وأما ذكر الواصلين فهو عدم خطور غيره تعالى ببالهم كما قال العارف ابن الفارض

ولو خطرت لي في سواك إرادة ... على خاطري يوماً حكمت بردتي

قوله: [وثلثمائة تحميدة] إلخ: أي وثلثمائة تهليلة وثلثمائة تكبيرة.

قوله: [الحامدين كثيراً] إلخ: أي المهللين كثيراً المكبرين كثيراً. وصفة صلاة التسابيح التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس وجعلها الصالحون من أوراد طريقهم وورد في فضلها أن من فعلها ولو مرة في عمره يدخل الجنة بغير حساب أن يصلي أربع ركعات في وقت حل النافلة ليلاً أو نهاراً والأفضل أن تكون في آخر الليل خصوصاً ليلة الجمعة خصوصاً في رمضان يقرأ في الركعة الأولى أم القرآن وشيئاً من القرآن ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر، ثم يركع فيقولها عشراً، ثم يرفع فيقولها

<<  <  ج: ص:  >  >>