للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد طلب صلى الله عليه وسلم الذكر فقال: «لا يجلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة» قوله: "ترة" بمثناة فوق ثم راء مهملة: النقص وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت عليهم لم يذكروا الله فيها» وقال صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله شفاء القلوب» قال الشعراني عن داود الطائي رحمهم الله: كل نفس تخرج من الدنيا عطشانة إلا نفس الذاكرين، وقال ثابت البناني رحمه الله: إني لأعرف متى يذكرني الله تعالى. قيل له: وكيف ذلك؟ فقال: إذا ذكرته تعالى ذكرني قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: ١٥٢] وورد: «ليس أحد أبغض عند الله ممن كره الذكر والذاكرين».

(وأفضله: لا إله إلا الله) لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله» وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء مصقلة، ومصقلة القلب الذكر، وأفضل الذكر لا إله إلا الله» قال شيخنا العلامة الأمير في رسالة في ذلك: اعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة ولا يفخم منها إلا لفظ الجلالة فقط، ولا يجوز في الأفصح نقص المد في أداة النفي التي بعدها الهمزة عن ثلاث حركات، وتجوز لزيادة [١] فيه إلى ست حركات، وما بين ذلك واسع، والحركة مقدار ضم الأصبع أو فتحه بسرعة. وأما مد كلمة الجلالة فلا يجوز نقصه عن حركتين؛ وهو المد الطبيعي الذي لا تتحقق طبيعة الحرف بدونه. ثم إن اتصلت كلمة الجلالة بشيء، نحو: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تكرر كلمة التوحيد مراراً فلا تزاد عن حركة المد الطبيعي. وأما إذا سكنت هاء الجلالة للوقف فتجوز الزيادة والمد لست حركات ويجوز التوسط. وأقصى ما نقل عن القراء المد إلى أربع عشرة حركة ولو في الوجوه الشاذة وقد نهى العلماء عن الوقف على لا إله لما فيه من إيهام التعطيل بل يصله بقوله: إلا الله بسرعة؛ ولا تفخم أداة النفي ولا يضم الشفتين عند النطق بها ولا تبدل الهمزة ياء ولا يزيد مداً له عن الطبيعي وليحذر من مد همزة الله لئلا يصير استفهاماً وهو واقع ممن يذكر الله

ــ

عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع بين السجدتين فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً، ثم يرفع من السجدة الأخيرة فيقولها عشراً، إما بعد القيام وقبل القراءة أو قبل القيام ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك ويقول العشرة الأخيرة وهو جالس قبل التشهد.

والأفضل في مذهبنا أن يسلم من ركعتين ثم يأتي بالركعتين الأخيرتين بنية وتكبير ويفعل فيهما كما فعل في الأوليين، ثم بعد السلام من الأربع يدعو بالدعاء الوارد في الحديث وهو: «اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني بها عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملاً أستحق به رضاك وحتى أناصحك في التوبة خوفاً منك، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن ظن بك سبحان خالق النور».اهـ. وحكمة اختيارهم هذا الحديث في الدعاء؛ لأن فيه ترقي المراتب إلى مقام الجمعية بالله يعرف هذا من فهم معنى الحديث، وهذه الكيفية التي كان يأمرنا بها شيخنا المصنف.

قوله: [وقد طلب - صلى الله عليه وسلم -]: الطلب هنا بطريق اللازم؛ لأن الذي في الحديث وعيد على ترك الذكر.

قوله: [بمثناة فوق]: أي مكسورة.

وقوله: [النقص]: أي الدرجات عن مراتب الأخيار.

قوله: [شفاء القلوب]: أي من الداء الحسي والمعنوي.

قوله: [إلا نفس الذاكرين]: أي فإنهم يموتون ولسانهم رطب بذكر الله.

قوله: [قال تعالى فاذكروني أذكركم]: معنى ذكر الله لعبده ترادف رحمته وإنعاماته عليه وإشهار الثناء الجميل عليه في الأرض وفي السماء لما في الحديث القدسي: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منه» وورد أيضاً: «إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه ثم ينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلاناً فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض».

قوله: [ممن كره الذكر والذاكرين]: أي ويقال: إن كانت تلك الكراهة بغضاً في الله وأهل الذكر فهو كافر مخلد في النار إن مات على ذلك، ويكون ممن يقول الله لهم يوم القيامة: {إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين - فاتخذتموهم سخريا} [المؤمنون: ١٠٩ - ١١٠] الآية. وإن كان لكسل منه فهو عاص.

قوله: [أن جميع كلمة التوحيد]: أي حروف كلمتها.

قوله: [عن ثلاث حركات]: أي لأنه مد منفصل.

قوله: [الذي لا تتحقق طبيعة الحرف بدونه]: بيان لوجه تسميته طبيعياً.

قوله: [وأقصى ما نقل عن القراء المد إلى أربع عشرة حركة]: أي وعليه يتخرج ما ورد أن «من قال لا إله إلا الله ثلاثاً بمد لا أربع عشرة حركة ولفظ الجلالة ستاً كفرت عنه أربعة آلاف كبيرة».

قوله: [لما فيه من إيهام التعطيل]: أي لأنه يوهم عدم الألوهية من أصلها.

قوله: [ولا تفخم أداة النفي]: هذا معلوم من قوله فيما تقدم: اعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة.

قوله: [ولا يزيد مداً له عن الطبيعي]: أي ولا ينقص عنه.

قوله: [لئلا يصير استفهاماً]: أي حيث مدها


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] كذا في ط. الحلبي والمعارف، ولعل الصواب: (الزيادة).

<<  <  ج: ص:  >  >>