ويدعي ما لا يجوز، ويأكلون بعض حروف هذه الكلمة المشرفة، وربما لم يسمع منهم إلا أصوات ساذجة وليس كلامنا مع العارفين الذين يعرفون الوجوه والذين يغيبون؛ إذ الغائب عن نفسه لا لوم عليه إلى آخر ما قال أنعم الله عليه. وكذلك يحذر من ترك الهاء من الله. فإذا ذكر ذكراً شرعياً أورث له الأنوار والثواب الأعظم. وقد ورد ما يدل على عظيم فضل الذاكر والذكر وبغض الله من يبغض الذاكرين فقال صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله صباحاً ثم قالها مساء نادى مناد من السماء ألا أقرنوا الأخرى بالأولى» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من حافظين رفعا إلى الله ما حفظا من عمل العبد في ليل أو نهار فيرى في أول الصحيفة خيراً وفي آخرها خيراً، إلا قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى» وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء مفتاح ومفتاح السموات والأرض قول لا إله إلا الله» أي تفتح بركاتهما بها وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال العبد المسلم: لا إله إلا الله خرقت السموات حتى تقف بين يدي الله فيقول: اسكني، فتقول: كيف أسكن ولم تغفر لقائلي؟ فيقول: ما أجريتك على لسانه إلا وقد غفرت له» ولا يخفى عليك تنزهه تعالى عن المكان والجارحة وعدم تمثل المعاني وقال صلى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله ترفع عن قائلها تسعة وتسعين باباً أدناها الهم» وفي رواية: "اللمم" وقال صلى الله عليه وسلم: «لولا من يقول لا إله إلا الله لسلطت جهنم على أهل الدنيا» وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله، كانت له كفارة لكل ذنب» وورد: «ما عاداني أحد مثل من عادى الذاكرين» كما تقدم فنعوذ بالله من بغض أهل الله المشغولين بذكره، وبالضرورة من يذكر المنعم عليك الرؤوف الرحيم فإنك تحبه ولا يبغض ذاكره إلا لئيم شقي وكيف يكره من في قلبه إيمان ذكر الكلمة الطيبة والكلم الطيب والقول السديد. والقول الصواب وكلمة التقوى ودعوة الحق والعمل الصالح والحسنة والإحسان
ــ
مفتوحة وهذا لا يكون إلا في ذكر الجلالة مفرداً، وأما في حالة التهليل فقد يمدون الهمزة الداخلة على إلا الله مكسورة وهو أيضاً لحن فاحش.
قوله: [ويدعي ما لا يجوز]: أي يدعي دليلاً لا يجوز الاستدلال به كأن يقول هكذا طريقة شيخنا، والحال أن شيخه غير عارف أو عارف أو ولم يثبت النقل عنه.
قوله: [الذين يعرفون الوجوه]: أي كما نقل عن سيدي محمد الدمرداش أنه يذكر اسم الجلالة ممدود الهمزة على صورة المستفهم فمثل هذا له وجه صحيح يقصده ويقلد فيه، وقد سئلت عن ذلك فألهمني الله أن الشيخ يجعل الهمزة للنداء كما قال ابن مالك والهمزة للداني.
قوله: [إذ الغائب عن نفسه لا لوم عليه]: أي كما قال العارف:
وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا ... فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر
وقال ابن التلمساني:
فلا تلم السكران في حال سكره ... فقد رفع التكليف في سكرنا عنا
فمن لم يكن متصفاً بآداب الذكر وادعى الحال نتركه فإن يك كاذباً فعليه كذبه.
قوله: [وبغض الله]: بالجر معطوف على عظيم.
قوله: [ألا أقرنوا الأخرى بالأولى]: أي فالمراد محو ما بين الكلمتين من الذنوب.
قوله: [قال الله للملائكة]: لعلهم الملائكة الموكلون بالأعمال.
قوله: [يبتغي بها وجه الله]: أي لا بقصد رياء ولا سمعة ولا تقية من أمور الدنيا كالمنافقين.
قوله: [أي تفتح بركاتهما بها]: أي لقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف: ٩٦]
قوله: [ولا يخفى عليك تنزهه]: جواب عن سؤال كأن قائلاً قال: إن هذا الحديث يوهم المكان لله واليد له وتصير المعاني أجساماً. فأجاب بأن هذا مؤول لقول صاحب الجوهرة:
وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها
فيؤول قوله حتى تقف بين يدي الله بأن معناه بين يدي الملائكة، ولا مانع من تمثيل المعاني على الصحيح أو أن الذي يخرق السموات الملك الصاعد بها. فقول الشارح وعدم تمثل المعاني صوابه حذف عدم وقولهم يستحيل قلب الحقائق يجاب عنه بأن المراد بها أقسام الحكم العقلي بأن يصير الواجب جائزاً أو مستحيلاً مثلاً.
قوله: [تسعة وتسعين باباً]: أي من البلايا كما ورد التصريح به في رواية أخرى.
قوله: [وفي رواية اللمم]: بالفتح مصدر أي ما ألم بالشخص ونزل به من حوادث الدهر.
قوله: [كانت له كفارة لكل ذنب]: ظاهره حتى للكبائر ولذلك اتخذها العارفون عتاقة واختاروا أن تكون سبعين ألفاً؛ لأنه ورد بها أثر كما نقل عن الشيخ السنوسي.
قوله: [كما تقدم]: أي ما يفيد معناه في قوله ليس أحد أبغض عند الله ممن كره الذكر والذاكرين.
قوله: [ولا يبغض ذاكره]: