للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما فسرت به الآيات قال تعالى: {مثل [١] كلمة طيبة كشجرة طيبة} الآية، على أن الشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين. وكلمة لا إله إلا الله تؤتي أسراراً وأنواراً وبركة كل لحظة يدرك ذلك أهلها، اللهم ألحقنا بهم واملأ قلوبنا من حبهم.

(فعلى العاقل): المتصف بالعقل الراجح (الإكثار من ذكرها) بدون حد (حتى تمتزج بلحمه ودمه): هذا معنى يدركه أربابه من كثرة إجرائها على الألسن والتفكر في معناها والعمل بمقتضى المعنى، فإنه إذا علم أنه لا إله غيره تعالى وأنه المنفرد بالإيجاد والإحسان والنفع والضر بلا غرض ولا شريك نشأ له تعلق به تعالى واعتماد عليه دون غيره فظهرت عليه أنوار معنوية وحسية (فيتنوع من مجمل نورها عند امتزاجها بالروح والبدن جميع أنواع الأذكار الظاهرية والباطنية التي منها التفكر في دقائق الحكم المنتجة لدقائق الأسرار) فيصير من أهل الحضرة الشاهدين الحاضرين مع الناس بأبدانهم الغائبين في حبه؛ كشيخنا المصنف أنعم الله عليه. وما زال يترقى في أحوال لا تدرك وذلك سر سرى له من سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم وما ترقى الولي [٢] لحال إلا رأى الحال الذي كان عليه، وإن كان حسناً، إلا نقصاً؛ وراثة من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله سبعين مرة» وهو غين أنوار لا غين أغيار فكان صلى الله عليه وسلم يترقى في أحوال المعالي فمتى ترقى لحال رأى الحال المنقول عنه نقصاً بالنسبة للحال المنقول إليه، فيستغفر منه وهو محمل قولهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

ــ

أي ذاكر المنعم عليك الرؤوف.

قوله: [كما فسرت به الآيات]: أي آية: {مثلا كلمة طيبة} [إبراهيم: ٢٤] وآية: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: ١٠] وآية: {وقولوا قولاً سديداً} [الأحزاب: ٧٠] وآية: {وقال صواباً} [النبأ: ٣٨]، وآية: {وألزمهم كلمة التقوى} [الفتح: ٢٦] وآية: {له دعوة الحق} [الرعد: ١٤] وآية: {من جاء بالحسنة} [النمل: ٨٩] وآية: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: ٦٠].

قوله: [فعلى العاقل]: أي يلزمه شرعاً وعقلاً وطبعاً كما قال العارف:

ثنائي عليك يا مليحة واجب ... وحبي لك فرض على كل أجزائي

قوله: [حتى تمتزج بلحمه ودمه]: أي يمتزج حب مدلولها المقصود وهو ما بعد إلا فيسري في البدن كسريان الماء في العود الأخضر كما أفاد هذا في الحديث: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها»، وهذه المحبة هي المداومة التي قال فيها ابن الفارض:

شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم

إلى آخر ما قال.

قوله: [والعمل بقتضي المعنى]: أي الخدمة على حسب ما شاهد من جمال الله وجلاله كما قال العارف الدسوقي:

قد كان في القلب أهواء مفرقة ... فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي

تركت للناس دنياهم ودينهم ... شغلاً بحبك يا ديني ودنيائي

قوله: [أنوار معنوية]: أي وهي العلوم الربانية.

وقوله: [وحسية]: أي وهي صفرته ونحولته وما في معنى ذلك.

قوله: [من مجمل نورها]: وهي من إضافة الصفة للموصوف والمراد بنورها المجمل معناها الذي يستحضره التالي.

قوله: [جميع أنواع الأذكار]: أي كما قال صاحب الهمزية:

وإذا حلت الهداية قلباً ... نشطت في العبادة الأعضاء

قوله: [التي منها التفكر]: صفة للباطنية، وفي الحقيقة التفكر هو أفضل الأذكار؛ لأن به تنفجر ينابيع الحكم قال أبو الحسن الشاذلي: ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل الجبال من عمل الأبدان.

قوله: [الحكم]: المراد بها صنعه تعالى قال في الجوهرة:

فانظر إلى نفسك ثم انتقل ... للعالم العلوي ثم السفلي .... تجد به صنعا بديع الحكم

قوله: [وما زال يترقى]: أي صاحب هذا المقام.

قوله: [في أحوال لا تدرك]: أي لغيره ممن لم يذق مذاقه كما قال العارف البكري:

فحمانا كالسما وسما ... ما رقاه غير أواب

دونه قطع الرقاب فقم ... أيها الساري على الباب

قوله: [وذلك سر سرى]: أي الترقي في المقامات.

قوله: [إلا نقصاً]: الصواب حذف إلا.

قوله: [حتى أستغفر الله]: أي في اليوم والليلة كما ورد التصريح به في رواية أخرى.

قوله: [وهو غين أنوار]: أي حجب أنوار يزيد بعضها في النور على بعض، فحين يعلو لمقام الأنوار يستغفر من الأنقص نوراً؛ لأنه ورد أن بين العبد وربه سبعين ألف حجاب منها ما هو نوراني ومنها ما هو ظلماني، فالظلمانية هي حجب الأغيار وليست مرادة؛ لأنها لغير الواصلين، وهذا التفسير الذي قاله الشارح قاله أبو الحسن الشاذلي نقلاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه في المنام فقال له ما معنى قولك في الحديث إنه ليغان على قلبي؟ فقال غين أنوار لا غين أغيار يا مبارك.

قوله: [وهو غين أنوار]: ليس من الحديث بل هو تفسير له.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] كذا في ط. الحلبي والمعارف، وفي قراءة حفص عن عاصم: {مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} [إبراهيم: ٢٤].
[٢] في ط المعارف: (لولي).

<<  <  ج: ص:  >  >>