للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومنها التفكر في دقائق الكتاب والسنة الموصل لمعرفة الأحكام الشرعية): كما وقع للأئمة المجتهدين رضي الله عنهم ومن تبعهم (ومنها مراقبة الله) التفكر في أمره ونهيه وجلاله (عند كل شيء حتى لا يستطيع [١] يفعل المنهي عنه) حياء من الله. (ومنها طمأنينة القلب بكل ما وقع في العالم) لعلمه أن كل شيء بمراد مالكه، وهل إرادة العبد وقوع شيء لم يرد الله وقوعه تفيد؟ أو إرادته عدم وقوع شيء أراد المالك وقوعه تفيد؟ كلا والله لا يكون إلا ما يريد جل وعلا فحينئذ يرضى العبد بمراد سيده في ملكه (من غير انزعاج ولا اعتراض فيتم له التسليم للعليم الحكيم): فيفوز بكونه محبوباً غير مذموم. واعلم أن التسليم والاستسلام والانقياد والتفويض مترادفة، وهو أن يفوض العبد اختياره إلى اختيار مولاه ويرضى بما يختاره مولاه، وقيل: التفويض قبل نزول القضاء، والتسليم بعد نزوله. (ومنها: وفور محبة الله) فيصير من أهل المحو والإثبات؛ فيمحو أوصاف العادة وينسلخ عن كل وجود غير وجود الحق وتثبت له صفات التيقظ الموصلة إلى الله تعالى (حتى) صارت نفسه مطمئنة روحانية فيثمر لها أن (تميل إلى عالم) بفتح اللام (الغيب والقدس) عالم الغيب: ما غاب عن المشاهدة بالنظر للخلق؛ فمثل الجنة المقدسة عن شوائب الكدر من عالم الغيب (أكثر من ميلها إلى عالم الشهادة والحس) عطف مرادف. (فـ) بسبب وفور المحبة إلخ (تشتاق) الاشتياق محبة خاصة وجدانية (إلى لقائها باريها) ومربيها والمحسن إليها (أكثر من اشتياقها لأمها وأبيها) لما عرفته من الصواب وحقيقة الحال، وأنه النافع الباقي الذي لا يعادل إحسانه ومشاهدته شيء وهذا فيه عقيدة الرؤية المثبتة عند أهل السنة المصدقين بها لأدلة قرآنيةلا تصرف عن ظاهرها ولأحاديثه صلى الله عليه وسلم.

(فإذا تم أجلها) الذي قدره الله في الأزل

ــ

قوله: [ومنها]: أي من الباطنية قوله: [التفكر في دقائق الكتاب والسنة] إلخ: أي على طبق القواعد العقلية والنقلية.

قوله: [ومنها مراقبة]: أي من الباطنية أيضاً.

قوله: [حياء من الله]: أي فيمنعه الحياء من الله وإن لم يخطر بباله خوف العقاب.

قوله: [ومنها طمأنينة القلب]: أي من الباطنية أيضاً.

قوله: [وهل إرادة العبد وقوع شيء] إلخ: كلام ركيك فالأوضح أن يقول وإن إرادة العبد لا تفيد شيئاً.

قوله: [فيفوز بكونه محبوباً غير مذموم]: أي لأنه ورد: " من رضي له الرضا ومن سخط له السخط " قال العارف:

فاز من سلم الأمور إليه ... وشقي من غره الإنكار

قوله: [ومنها وفور محبة الله]: أي من الباطنية أيضاً وإضافة وفور لما بعده من إضافة الصفة للموصوف أي محبة الله الوافرة الزائدة عن محبة العوام؛ لأن جميع الخلق يحبون الله، وإنما تتميز الخواص بالزيادة.

قوله: [فيمحو أوصاف العادة] إلخ: تفسير لمعنى المحو والإثبات.

قوله: [ينسلخ عن كل وجود]: أي عن الشغل بوجود شيء سوى الله كما قال بعض العارفين:

الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتاداً بلوغ كمال

فالكل دون الله إن حققته ... عدم على التفصيل والإجمال

من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال

قوله: [مطمئنة روحانية]: المطمئنة هي التي سكنت للقضاء والقدر والروحانية هي التي تجردت عن الطباع الشهوانية وصار الحكم لمجرد الروح.

قوله: [عطف مرادف]: أي فالشهادة هي الحس؛ لأنه يشاهد بإحدى الحواس.

قوله: [الاشتياق محبة خاصة وجدانية]: المناسب أن يفسره بتولع قلب المحب بلقاء المحبوب.

قوله: [الذي لا يعادل إحسانه]: أي الذي لا يماثل وشيء فاعل يعادل وإحسانه ومشاهدته مفعول.

قوله: [وهذا فيه عقيدة الرؤية]: أي لأنه ما عظم اشتياقهم إلا لاعتقادهم أنهم يرونه بعين البصر في الآخرة كما قال الشافعي: لولا اعتقادي أني أراه في الآخرة ما عبدته وفي الحقيقة اشتياق أهل الله للرؤية المعجلة في الدنيا وهي رؤية القلب بمعنى شهوده بعين البصيرة، ورؤية البصر في الآخرة كما قال ابن الفارض:

فيا رب بالخل الحبيب محمد ... نبيك وهو السيد المتواضع

أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي ... إليها قلوب الأولياء تسارع

قوله: [لأدلة قرآنية] منها قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] ومنها: {إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون} [المطففين: ٢٢ - ٢٣].

قوله: [ولأحاديثه]: منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر»

قوله: [فإذا تم أجلها]: أي انقضى عمرها؛ لأنها لا تخرج نفس من الدنيا


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] زاد بعدها في ط المعارف: (أن).

<<  <  ج: ص:  >  >>